رئيس التحرير
عصام كامل

حوار مع تلميذ في كلية الإرهاب


كنت جالسا ليلا في إحدى الحدائق التي كانت شبه خالية بسبب البرودة، ومعي أوراق صغيرة أدون فيها ملخصا لأفكاري، كان ظهور شاب في الإعلام يقول على أبيه كافرا مستفزا لي، ودعاني إلى التفكير في كيفية تصنيع الإرهابي.

الأدباء والفنانون الذين تناولوا الإرهاب وحاولوا أن يصلوا لإجابة لهذا السؤال، كانت إجابة معظمهم هي "كن إرهابيا واقتل لتذهب إلى الجنة لأنك على حق".

وكنت أرى أن جرائم الإرهاب وراءها موضوع التمييز منذ أول جريمة بشرية في زمن قابيل وهابيل، يوم قتل أول قاتل بشري أخيه من أجل السؤال الشيطاني وهو: هل أنا أفضل منه؟.. قطعا هو ليس أفضل مني.

هذا الهاجس الذي تسبب في هبوط إبليس من الجنة ومن نورانية كونه طاووس الملائكة، إلى منزلة زعيم الشر وقائد فلول الظلام إلى أن تقوم الساعة، بدأ الهاجس باعتقاد إبليس أنه أفضل من آدم وقال يومها أنا أفضل منه خلقتني من نار (والنار بها نور) وخلقته من طين (الطين أسود ويتغير بوضعه في النار ليصبح فخارا)، الشعور بالتميز وبالتعالي هو من أهم أصول الإرهاب، وكل إرهابي مقتنع بأنه هو المميز وهو الأفضل وهو على حق والباقي على ضلال، وأن مآله الجنة هو ومن معه والآخرين مآلهم جهنم.

جلس بجواري شاب بعد أن ألقى السلام:
قال: تسمح لي بسؤالك، هل أنت مؤيد للشرعية والشرع؟
قلت: طبعا، ولكن هل تعرف ما هي الشرعية وما هو الشرع؟
قال: الشرع هو أن نمشي على شرع الله والشرعية قالها لي شيخي ولم أفهمها.
قلت: ما رأيك في الإرهاب وقتل الناس في الشوارع؟
قال: يقول شيخي إن الحكومة تقتل الناس لتلصق التهمة بالإخوان المسلمين.

قلت: معنى كلام شيخك هذا أن الشرطة تقتل جنودها وضباطها، والجيش يضع المتفجرات في طريق دباباته وسياراته ليقتل جنود الجيش وضباطه، وأن المسيحيين يحرقون كنائسهم لإلصاق التهم بالإخوان المسلمين الأبرياء، هل يصدق عقلك هذا؟

قال: وما دخل عقلي بهذا؟ أي شيء خاص بالدين يقوله لي شيخي.
قلت: الله سبحانه وتعالى ميز الإنسان بالعقل، وذكرت كلمات في آيات كثيرة في القرآن منها: التفكير والتعقل، والتذكر، والتبصر، والنظر، والاعتبار والتفقه، وأولي الألباب (أصحاب العقول)، وكان نسبة هذه الآيات إلى باقي القرآن أكثر من عشر إجمالي آيات القرآن الكريم.

قال: نحن نطيع أصحاب العقول، لأنهم يفهمون أكثر مني ومنك.
قلت: هل تعتقد أنهم يعرفون الإسلام أكثر مما عرفه رسول الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام؟؟
قال: هم يسيرون على طريقه صلى الله عليه وسلم، لقد قالوا لنا إنهم يتبعون الله وسنة نبيه.
قلت: هل أنت متأكد أنهم يفعلون ذلك؟ 
قال: طبعا. 
قلت: وما هو دليك أنهم يتبعون الله وسنة نبيه؟
قال: وما هو دليلك أنت أنهم حاشا لله لا يتبعون الله وسنة نبيه؟
قلت: هل قالوا لك إن من لا يتبع جماعتهم إما كافر أو ضال أو منافق؟؟
قال: قالوها لأنها الحقيقة. 
قلت: لو قالوا إن من لا يتبع جماعتهم كافر فهذا معناه أنهم يدعون أنهم يفهمون الإسلام أكثر من رسول الإسلام. 
قال: حاشا لله هم لم يقولوا إنهم يفهمون أكثر من رسول الإسلام، أنت تدعي هذا.

قلت: أسامة بن زيد في قتال رفع سيفه على كافر، فنطق الكافر بشهادة الإسلام، لكن أسامة قتله اعتقادا منه أنه قالها نفاقا ليهرب من الموت، وعاتبه رسول الله وقال له: هل شققت عن قلبه، ماذا تفعل عندما تأتي إليك يوم القيامة شهادة لا إله إلا الله وتحاجيك، رسول الله لا يقبل أن تقول على من نطق بالشهادة أنه منافق أو كافر، وشيخك يفعل هذا وبالتالي فهو يعتقد أنه يفهم الإسلام أكثر من رسول الإسلام.. ما رأيك؟

قال: أنا لا أعرف ماذا أقول، لقد حيرتني، لابد أن أسأل شيخي لأنني أقسمت له على الطاعة.
قلت: شيخك لو قال لك اقتل الناس ماذا ستفعل، ستخالف الله سبحانه وتعالى وتقتل الناس في الشوارع، ويحاسبك الله بجريمة كل من قتل، ألا تعلم أن من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ولقد اقترنت الجريمة الأولى بجريمتين كبريين هما قتل الناس جميعا وفساد في الأرض، والإرهابي بعمله هو قاتل للناس جميعا وهو أيضا من المفسدين في الأرض.

أعتقد أن الاكتفاء بمقاتلة الإرهاب بالطرق الأمنية ليست كافية، الأزهر ورجاله لهم دور هام في التوعية، والإعلام عليه استضافة من يستطيع تفنيد الآراء الهدامة وراء ظاهرة الإرهاب.
الجريدة الرسمية