رئيس التحرير
عصام كامل

المواطنة لا تحتاج وزارة


بمنتهى الشفافية أسجل تحفظي على المطالبة بإنشاء وزارة للمواطنة، حسبما أورده بيان "ائتلاف أقباط مصر" مطلع أكتوبر المنصرم.

قبل التطرق إلى السبب، أعرض أولًا أبرز ما جاء به وفقًا للمنشور بالصحف.. طالب البيان الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتفعيل مادة المواطنة المنصوص عليها بالدستور، وذلك بإنشاء آلية لتفعيلها ممثلة في وزارة تسمى "وزارة المواطنة"، تهتم بشأن العلاقة المترابطة بين أبناء الشعب الواحد، وترسيخ مبادئ ومفاهيم قبول الآخر، بالإضافة إلى رقابتها على كل الهيئات والمؤسسات الحكومية والخاصة؛ لضمان عدم التمييز في الوظائف والتعيينات، وغير ذلك من مهام أخرى داخل إطار المواطنة الكاملة في المجتمع.


أما سبب تحفظي فعنوانه، أن المواطنة إحساس وسلوك إنساني ومجتمعي تلقائي، أكثر رحابة وقوة من أحرُف كل الدساتير والقوانين وقرارات الوزارات.. فالعلاقة بين أبناء الشعب الواحد وترسيخ مبادئ ومفاهيم قبول الآخرــ مع رفضي الشديد لمفردة "الآخر"ــ لا تحتاج وزارة، أما باقي المطالب الخاصة بالتمييز في التعيينات وخلافه فتكفيها قوانين المساواة وتكافؤ الفرص، وعلينا جميعًا "كشعب واحد" أن نتكاتف لفرضها على أرض الواقع.

إن المواطنة على صعيد العلاقة والتعايش تسكن الوعي والوجدان الجمعي المصري بصورة غاية في القوة والروعة والثبات، وليست بحاجة إلى وزارة وإدارة.. وأدعوك للتدَبُّر بعمق في الصورة التالية.

جورج من أحب وأعز وأخلص أصدقائي منذ الصغر.. لم نلتفت يومًا إلى نَسَق مسيحي ومسلم كدأب المصريين في العموم.. في مطلع الشباب جمعتنا الشقاوة والصعلكة.. ذات يوم فاض الكيل بأهل جورج فشكوه لـ "أبونا باخوم" قسيس كنيسة الحي، المحبوب لدى أهل الحي مسلمين ومسيحيين، إذ كان ودودًا ومجاملًا للجميع، لكن اللافت أنه كان مهابًا بصورة واضحة لدى إخواننا النصارى.

عقد أبونا باخوم جلسة نصح وإرشاد مع صديقي جورج الذي وعده بالإقلاع عن الشقاوة والتصرفات المشينة..

في اليوم التالي تبخرت النصيحة، التقيت مع جورج في جولة تسَكُّع كالعادة.. وأثناء مرورنا بأحد الشوارع الجانبية ونحن غارقين في الضحك، خيَّم الصمت على جورج فجأة وتطلع بذعر إلى الأمام، وقال: يا نهار أسود.. أبونا باخوم مقابلنا من بعيد، ثم أطلق ساقيه للريح عائدًا للخلف، وأنا بجواره أسابق الريح أيضًا.. وعندما ابتعدنا بما يكفي للاطمئنان بأن "أبونا باخوم" لن يرانا، إذا بجورج يكاد يموت من الضحك، فسألته بدهشة شديدة وأنا ألهث: أيه اللي بيضحكك قوي كده يا جورج؟ 

التقط أنفاسه بصعوبة ثم قال: اللي بيضحكني أني بأجري من "أبونا باخوم" علشان أنا مسيحي، إنما أيه اللي خلاك تجري وأنت مسلم؟

هل أدركتم الآن روعة المواطنة؟.
الجريدة الرسمية