رئيس التحرير
عصام كامل

هل هناك أحزاب إسلامية معتدلة ؟


قبل اندلاع ثورات الربيع العربى ساد اتجاه في الأوساط الأكاديمية والدوائر السياسية مبناه أن هناك جمعيات إسلامية في مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين وأحزاب سياسية إسلامية معتدلة، وذلك مقابل التنظيمات الدينية المتطرفة. وقد حاولت جماعة الإخوان المسلمين في مصر أن تظهر بمظهر الجماعة الإسلامية المعتدلة التي لا تلجأ إلى العنف ولا تمارس الإرهاب. وذلك بالرغم من تاريخها الدامى الذي تمثل في الجهاز السرى للإخوان المسلمين الذي أنشأه حسن البنا، وقام بمجموعة من الاغتيالات السياسية الشهيرة في الأربعينات، أبرزها اغتيال "النقراشى باشا" رئيس الوزراء الأسبق والمستشار "الخازندار". وقد أدت هذه الاغتيالات إلى اغتيال الشيخ "حسن البنا" في واقعة مشهورة.


وقد دخلت جماعة الإخوان المسلمين بعد ذلك في مصادمات عنيفة مع ثورة يوليو 1952 وخصوصًا بعد محاولة اغتيال "جمال عبد الناصر" في ميدان المنشية عام 1954. وقد أدى هذا الحادث إلى اعتقال المئات من أعضاء الجماعة، وبعد ذلك قام تنظيم إخوانى بقيادة "سيد قطب" لقلب نظام الحكم وترتب عليه – بعد محاكمات مشهورة - توقيع عقوبة الإعدام عليه وسجن العشرات من أعضاء التنظيم.

وجاءت لحظة تاريخية في عهد الرئيس "السادات" حدثت فيها مصالحة بين جماعة الإخوان المسلمين وبينه، وسمح لهم بالعمل وأعادوا نشر مجلتهم "الدعوة". ثم ما لبثت جماعة إرهابية إسلامية أن اغتالت الرئيس "السادات" نفسه. وبعد ذلك نشأت حالة مهادنة بين الرئيس "مبارك" وبين جماعة الإخوان حيث سمح لهم بالتوغل في النشاط الخيرى والاجتماعى، واستطاع الإخوان السيطرة على النقابات المهنية، ثم انتقلوا من بعد ذلك للعمل الصريح بالسياسة، واستطاعوا أن ينجحوا من أعضائهم أكثر من ثمانين عضوًا في مجلس الشعب في البرلمان، ما أظهر خطورتهم السياسية ودفع ذلك نظام "مبارك" إلى تزوير انتخابات 2005 لمنعهم من الدخول إلى المجلس هم وباقى أحزاب المعارضة.

وبعد ذلك قامت ثورة 25 يناير واستطاعت جماعة الإخوان المسلمين – كما نعرف جميعًا - سرقة الثورة في انتخابات برلمانية سادها التزوير الاجتماعى والثقافى حيث حدث استدعاء غير مشروع للشعارات الدينية مثل "غزوة الصناديق" وغيرها. واستطاعت الجماعة الحصول على الأكثرية في مجلسى الشعب والشورى هي وحزب النور السلفى. بل إنها تجاوزت ذلك كله ونجحت في إنجاح مرشحها "محمد مرسي" الذي أصبح رئيسًا للجمهورية.

غير أن جماعة الإخوان المسلمين سرعان ما كشفت عن وجهها القبيح وتبين أنها – منذ حوادث قصر الاتحادية التي فضتها بالقوة، ما ترتب عليه وقوع عدد كبير من القتلى والمصابين - جماعة إرهابية حقًا! وقد برزت هذه الحقيقة بوضوح أمام العالم بعد سقوط حكم الإخوان في 30 يونيو وتحوّل أعضائها إلى ممارسة الإرهاب بشكل منهجى سواءً في مجال اغتيال القيادات الأمنية، أو في مجال نسف أبراج الكهرباء، أو في المظاهرات التخريبية التي قاموا بها في الجامعات.

وهكذا ثبت بما لا يدع مجالًا للشك أنه ليست هناك جماعة أو حزب إسلامى معتدل وأن هذه الجماعات تبطن داخلها نزوعًا شديدًا للتطرف وتوجهًا أساسيًا لممارسة العنف والإرهاب. قد نتحفظ على هذا التقييم وخصوصًا بعد فشل حزب النهضة الإسلامى في تونس في الحصول على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ونجاح حزب "نداء تونس" في الحصول على ثمانين مقعدًا، وجاء بعده حزب "النهضة" بنحو ستين مقعدًا. وسلم "راشد الغنوشى" زعيم حزب النهضة بالهزيمة بل إنه هنأ "الباجى السبسى" رئيس النداء بالنجاح.

ويبقى السؤال.. هل يمكن أن يكون حزب النهضة هو الاستثناء بين الأحزاب الإسلامية، بمعنى هل يمكن أن يواصل مسيرته باعتباره حزبًا إسلاميًا معتدلًا أم أنه في الوقت المناسب قد يتحول إلى حزب إسلامى يمارس العنف مع خصومه وقد يجنح في لحظة تاريخية ما إلى الإرهاب؟
سؤال مفتوح للمستقبل
الجريدة الرسمية