رئيس التحرير
عصام كامل

الإرهاب المقدس


أهدانى صديقى الشيخ نبيل نعيم كتابه الأول الذى يحمل عنوان "معركة داعش.. الإرهاب المقدس" فوجدته ملخصًا وافيًا للأيديولوجية الفكرية لتنظيم داعش والرد عليها ووجدتنى أعيد قراءته أكثر من مرة فأعجبنى رده عليهم في كثير من الآيات التي أساءوا تأويلها وفهمها وخصوصًا موضوع "الجزية" على غير المسلمين، والتي كانت بالنسبة لى من المواضيع التي لم يعجبنى إجابة أحد من المشايخ عنها عندما كنت أقول لهم إنها كإتاوة يفرضها القوى على الضعيف ووضع غير المسلمين في أمرين أيسرهما مر بالنسبة لهم وهو إما الدخول في الإسلام أو دفع الجزية. وكان هذا قبل قراءة كتاب الشيخ نبيل نعيم مباشرة فيقول الشيخ نعيم في كتابه صفحة 45 الآتى:


(فكانت سياسة السلف الصالح هي استيعاب هذه الشعوب (شعوب البلدان التي فتحها المسلمون) ورفع الظلم عنهم ودعوتهم بالتي هي أحسن إلى دين الإسلام وترك ما هم عليه من الشرك والخرافات، ولذلك كانوا أعظم الفاتحين في تاريخ البشرية وسوف أشير إلى كيفية تعامل الصحابة رضوان الله عليهم مع الشعوب التي وقعت تحت سلطانهم فعندما فتح "عمر بن الخطاب" بلاد الشام، وكان أغلب سكانها من النصارى أخبرهم قائد جيوش المسلمين بأن عليهم أحكام الإسلام.. إما الجزية وإما الإسلام فإذا بقوا على ما هم عليه من ديانة مسيحية فعليهم دفع الجزية للمسلمين وإن دخلوا في الإسلام فلا شىء عليهم.. فأبوا أن يدخلوا في الإسلام ورفضوا دفع الجزية فأرسل الوليد بن عقبة قائد جيوش عمر إليهم، فقال: ماذا تريدون إذن؟
فقالوا: نريد عمر بن الخطاب
فأرسل الوليد بن عقبة إلى عمر بن الخطاب يخبره بما فعلته بنى تغلب وهم نصارى الشام

فقدم إليهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه
وقال لهم: أسمع منكم
فقالوا: نحن لن ندخل في الإسلام ونحن عرب نأنف من دفع الجزية
فقال عمر رضى الله عنه: هل ترضون أن تدفعوا مثل أو بعض ما يدفعه المسلم من الزكاة 
قالوا: نعم
واتفقوا على ذلك وانصرف عمر رضى الله عنه على المدينة.

والعبرة من هذه القصة التاريخية هي قدرة الصحابة والسلف الصالح على استيعاب حق الخصوم ولو على حساب النص الشرعى لأنهم يفهمون جيدًا إذا تعارضت المصلحة العامة مع النص الشرعى فتقدم المصلحة العامة ويعمل بها ويعطل العمل بالنص الشرعى وهذا ما لم تفهمه السلفية النجدية في الواقع العملى.

وقد رد الجزية سيدنا عبيدة بن الجراح لأهل مدن الشام التي أخذها منهم عندما علم أن هرقل ملك الروم جمع جموعًا كبيرة لقتال المسلمين وقال لهم إنكم قد اشترطم علينا أن نمنعكم وإنا لا نقدر على ذلك وقد رددنا عليكم ما أخذناه منكم ونحن لكم على الشرط.

وقد وضح الشيخ نبيل في الكتاب معنى الجزية وهى تُؤخذ من غير المسلمين مقابل عدم تأدية الخدمة العسكرية فإذا أدوا الخدمة العسكرية فلا جزية عليهم لأن غالبية جيوش الدول الإسلامية من المسلمين على أساس أن الجهاد فريضة على المسلمين، وبالتالى غير المسملين أو من أي ديانة أخرى لا يفرض عليهم الجهاد، وبالتالى يدفعون الجزية مقابل تمتعهم بالحماية وحفظ أموالهم وذريتهم.

وبالتالى انتفت معنى الجزية في عصرنا حيث إن الجيش أصبح يضم جنودًا من كل الديانات والانضمام إليه لا يكون طبقًا للديانة بل طبقًا للجنسية فقط.

وتكلم الشيخ نبيل أيضًا عن فكرة تكفير المجتمعات في داعش ومبدأها هو تكفير الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله وكذلك كل من يعاونه من حكومة وجيش وشرطة وقضاء ومن يتاجر معهم ويخدم في مؤسساتهم وبالتالى فالشعب كله كافر في نظرهم ووجب قتالهم.

ولخص كتابه بأن هذه الجماعات التكفيرية وعلى رأسها داعش توافرت لديها قدرات عسكرية ومالية وخبرات ميدانية وخطاب دينى مبسط ومختصر يخاطب الجهلاء وكأنه يوظف القرآن والسنة في تحدٍ للدولة والوطن والهوية فهو خطاب أممى عابر للحدود فهو يقدم دينًا بلا ثقافة يمس حاجة نفسية لدى شرائح من الجمهور تعانى الغضب والتهميش وفراغًا ناجمًا عن الشعور بانكسار الذات الناشئ عن الصعوبات المعيشية وعدم التوافق بين الفكرة التي يحملها والوقع الذي يعيشه فيلجأ لفكرة الخلاص كمدخل أساسي لفكرة التجنيد والاستقطاب من قبل هذه الجماعات الجهادية.

ولك الله يامصر حماك الله وراعاك.

الجريدة الرسمية