رئيس التحرير
عصام كامل

رسالة «أب» لـ«ابنه» المتفحم في «محرقة البحيرة»!


ابني العزيز.. سامحني.. واشفع لي عند ربك، وأخبره أني ما أردت لك إلا الخير، وأني ما أرسلتك إلى المدرسة إلا كي تتعلم، وتنفع نفسك وأهلك ووطنك.. وأني -والله الذي لا إله غيره- ما كنت أقرأ الغيب، ولم أعلم أن ذهابك اليوم إلى المدرسة سيكون «جواز مرورك» إلى «الآخرة»..!


بُنَيَّ.. كُنتَ تأخذ قلوبنا معك عند خروجك من المنزل.. نرفع أكف الضراعة إلى الله ونبتهل إليه بأن تعود إلينا سالمًا غانمًا.. نترقبُ عودتك على أحر من الجمر.. ونهيئ أنفسنا لاستقبالك، لا أن نتسلم «شنطتك»، مختومة بدعوة «الله يرحمه»..!

بُنَيَّ.. كُنتُ أرى «كراستك» وأنتَ ترسم فيها ملامح مستقبلك «الباسم»، وأرى «أقلامك» تنبض بالحيوية والانطلاق، وكأنها تتحدى قسوة «الواقع».. ولكني لم أتوقع «طي» أوراق كراستك، و«توقف» نبض أقلامك «الملونة» في هذه السن الصغيرة..

بُنَيَّ العزيز.. معذرةً.. كنت أحلمُ لك بـ«وطن» يدرك قيمة «الإنسان».. وأطمحُ أن تكون «عالمًا» يُشار إليه بالبنان، لا أن تكون مجرد عدد في «خانة» الإهمال..

أعلمُ تمامًا يا بُني أن «الحذر لا يمنع القدر».. وأن الموت نهايتنا.. وأن «مَنْ لم يمت بالسيف مات بغيره»، لكن لم أتوقع أن «غيره» هذا سيكون سائقًا متهورًا أو سيارة «طائشة» في دولة «طائشة» ومسئولين «طائشين»!

سامحني يا بُنَيَّ أني «فرَّطتُ» في حقك مرتين.. الأولى حين التزمتُ «الصمت» أمام «قاتلك»، ولم أجرؤ على الصراخ في وجهه.. والثانية حين أُجبرتُ على قبول «50 ألف زفت» مقابل ضحكتك.. وسوف ننساك مثلما نسينا أخواتك الذين «تفحموا» قبلك..!

سامحني يا بُنَيَّ.. فالوقت لم يسعفني لـ«لملمة» أشلائك، ولم أستطع التعرف على «جثتك» من بين جثث زملائك «المتفحمة».. ولم أغزل لك «كفنًا» يليق بك عندما تلقى ربك.. فإذا جاءك الملكان في «قبرك»، وسألاك عني، فبالله عليك لا تذكرني عندهما بسوء.. وأخبرهما- وهما أعلم بذلك- أن أباك لم يكن «نبيًا» يُوحى إليه.. ولم يكن يقرأ الغيب؛ ليمنعك من الذهاب إلى المدرسة في هذا اليوم المشئوم..

بُنَيَّ العزيز.. سامحني.. والتمس لي العذر أني لست فنانًا أو شاعرًا، لأُخلِّد ذكراك بـ«صورة» من توقيع مسئولٍ كبير.. أو أنعيك بـ«قصيدة» تُضاف إلى ديوان «رثاء» الوطن.. فقط سأكتفي بـ«الله يرحمك»!
الجريدة الرسمية