رئيس التحرير
عصام كامل

بقى ده إسلام ده؟


التصورات عن تعاون السلفيين مع باقي القوى السياسية وهم. إعلاناتهم الدائمة عن رغبتهم في الانخراط السياسي والاجتماعى غائمة وضبابية. لا يصلح السلفيون إلا لرفع الصوت في صلاة الجمعة، وإخافة الناس من عذاب القبر وطول الثعبان الأقرع. يبقى لأهل الجلابيب البيضاء سنوات حتى يفهموا الدين. وسنوات أكثر ليعرفوا أنه لا ثعبان في القبر، ولا أقرع يضرب الميت. قس على قصة ثعبان القبر، عيوبا في التفسير.. وأخطاء في التأويل.. وبلاوي في التدبير.. انتهت بالدين، إلى جلابية الرجل وذقنه.. وفى المرأة أعضاء تناسلية.. وصوتها!!

يدخل السلفيون حقول السياسة، بنفس ما دخلوا به ساحة التفسير والتأويل أول مرة. 
الصدام بين «أهل السلف» وبين مجتمعاتهم حتمي ومستمر، فلا سبيل لقبول «السلفية» بالتجديد في السياسة، ولا استيعاب الآخر، تماما كما لم يقبلوا التجديد في الدين. في الوقت نفسه لا يمكن للمجتمعات الحديثة تصور أن تكون سياسة بلادهم في المستقبل حكرًا على أفكار القدامى من المسلمين الأوائل. 
الفكر السلفي هو أزمة الإنسان.. والإسلام.. حتى الآن ! 

بعد وفاة النبي (ص)، ظلت مدرسة المدينة التي شكلت نواة «السلفية» على نهجها في «التقليد»، و«التقييد»، لذلك رفضت كل ما ابتكرته مدرسة العراق من فلسفة وتحرير واجتهاد. لدى أهل المدينة، أغلق باب الاجتهاد في القرن الرابع الهجرى. كل ما يخالف دراسات السنة وأسانيد الحديث وتفسيرات القرآن وفق اجتهادات الصحابة الأوائل خروج عن الدين لدى أهل المدينة. بينما لدى مدرسة الرأى في العراق الأمر مختلف. 

من العراق قامت كل مدارس الفلسفة الإسلامية وحركات التجديد الدينى، منشئة علوما كثيرة، وتخاريج دينية أكثر.. وتحرير للمسائل أوسع وأرحب. رفضت مدرسة العراق التقليد. رفضت قبول كل المنقول من السنة النبوية دون التيقن أولا من أن النبى (ص) قد قاله. 

على خلاف «سلفية المدينة»، تحسب فقهاء العراق وفحصوا واحتذروا ثم نقضوا غالب ما جاء من مدرسة «السلفية». وصلوا إلى أبعد مدى. 

فشهر عن الإمام الشافعى مثلا، رفضه التسليم والإيمان بكل ما نقله أهل المدينة من حديث. شهر عن الشافعى تأكيده الاعتقاد في صحة حديث نبوى واحد من أكثر من نصف مليون حديث هو: «من كذب علي متعمدا..» !

خوف الشافعى من تسلل اللامعقول إلى المنقول أو السنة، قابله فيضان في المدينة بتداول كل ما شهر أن النبى (ص) قد قاله من حديث،  دون التأكد مما إذا كان (ص) قد قاله أم لا. هذا قمة ما أحدثه المنهج السلفى من شرخ في الدين. ولما تلونت التيارات السلفية فيما بعد وتغيرت، أحدثت ثانى شرخ، برفضهم أي محاولة لإعادة تصحيح ما حدث.. أو إعادة التفكر في الذي حدث. 
النتيجة انتقال خطيئة السلف.. إلى الخلف. قالوا عنها " صحيح الدين ".. لكنها لم تكن كذلك. 

في كتابه الموطأ قال الإمام مالك (فقيه المدينة)، إنه جمع كل ما نمى إلى سمعه من حديث نبوي بصرف النظر إن كان صحيحا من عدمه. قال في مقدمة الموطأ: «ضم كتابي هذا مع الصحيح الضعيف والمشهور والمرسل» والثلاثة الأخيرة أنواع لا تأخذ بها غالب مدارس الفقه الإسلامى.

ومن المدينة، شهر عن الإمام أحمد بن حنبل «أستاذ ابن تيمية السلفي» عمله بالحديث الضعيف وتفضيله على الاجتهاد وإعمال العقل. قال ابن حنبل: «الحديث الضعيف أحب إلى من الرأى» ! 

ماذا عن السلفيين الجدد ؟ 
لاشيء أكثر اختلافا. لم يقدموا بوادر لتفهمهم أن ما مضى يجب تصحيحه. ولا هم هيأوا ما يمكن أن يحسن صورتهم لدى الذين يرونها تزداد قتامة. منهج أهل السلف رفض التجديد، والتصلب في الرأي، والفساد في الاستدلال.. والغلظة في فهم الآيات والنصوص ومقاصد الله من شريعته، بالضرورة سيكون وبالا على السياسة كما كان وبالا على الدين. 

أهل السلف هم أهل السلف. جدد قدامى. المشرحة مليئة بالجثث. لو فتحت كتبهم، ستموت من الضحك، ثم تموت من الخوف.. أو تموت بسلاح واحد فيهم جزاء على ضحكك. 

الكوارث متوغلة ومتشعبة. أزمة الأفكار.. غير أزمة المرور وسكر التموين. سموم الأفكار مميتة. سموم الفكر السلفى علقم، ومقت وساء سبيلا. ثعابين السلفيين المقنعة تحت اللحى، أضخم من دعواتهم للتسامح، والاحتكام للدستور، وتذكير بالمشاركة في 30 / 6 صدعنا بها الدكتور جلال المرة ونادر بكار. 

مثلا، تأخذ أغلب مدارس سلفية المدينة، بثبوت نسب الطفل لأبيه ما دامت قد حملت به الزوجة.. رغم عدم ثبوت التلاقى بين الزوجين ! 
ففيما يسمى بالزواج «الحكمى»، إذا عقد رجل في بلد على امرأة في بلد آخر بتوكيل، ثم حملت الزوجة، يثبت نسب المولود للزوج، ودون إثبات قدومه من بلده! 
سبب ثبوت النسب لدى أهل السلف، أنه يجوز للزوج أن يكون من " أصحاب الخطوة " وأهل الكرامات، الذين فتح الله عليهم بالقدرة على التواجد في أكثر من مكان في نفس الوقت. 
ويجوز لـ " صاحب الكرامة " جماع زوجته دون أن يلقاها فعلا ودون أن تدرى ! 
بتضحك ؟ طب خد دى كمان. 

لدى مدارس سلفية المدينة، لا يثبت نسب الطفل لأبيه في الزواج الباطل حتى مع ثبوت التلاقى بين الزوجين. فإذا عقد مجنون أو صبى غير مميز قرانه على فتاة، أو إذا تزوجت مسلمة بغير مسلم دون علمها بديانته، فلا يترتب على زواجهما إلا ثبوت المهر.. بينما لا يثبت نسب الطفل لأبيه !

يعنى اللى ما لمسهاش يبقى ابنه.. واللى دخل بها علنا.. ما يبقاش ابنه. بذمتك ده إسلام ده ؟ بلاش.. ده دين ؟ 
طيب دعك من التفاصيل. دع الدين للمتخصصين والدراسين. خليك في أول القصيدة. النور السلفى ينفى بشدة الآن أنه حزب دينى. جلال المرة ونادر بكار حلفوا إيمانات تكفى المليار مسلم إنهم ليسوا حزبًا دينيًا. وفيما يرى أغلبنا أن الكذب داء لما يذوقه السلفى "ما يسلاهوش"، يقول العالمون ببواطن الأمور، إن " النور " حزب رياضى. والله أعلى وأعلم ! 
Twitter: @wtoughan 
wtoughan@hotmail.com

الجريدة الرسمية