رئيس التحرير
عصام كامل

الثالوث المقدس... الأرز (2)


مع اتباع سياسة "أثر القطيع"، يخرج الفلاح المصري من موسم القمح جريحا، بسبب تعنت بنك التنمية والائتمان الزراعي في تسلم محصوله، مهرولا نحو زراعة الأرز الذي تزيد مساحته بشكل يخالف السياسة الزراعية، لتقترب من سقف ثلاثة ملايين فدان، فتهدد بذلك الأمن المائي المصري.

ومن الثابت، أن فدان الأرز يستنزف كميات من المياه تزيد في قيمتها على قيمة ما تنتجه الأرض من سلعة الأرز نفسها، وذلك في بلد يتجه بشدة نحو حد الفقر المائي (أقل من 700 متر مكعب للفرد سنويا).

في هذه الحالة، يعلو مؤشر عرض الأرز في مصر على مؤشر الطلب المحلي، وبالتالي تنخفض القيمة المالية للأرز في السوق المصرية، فتضطر الدولة لفتح باب التصدير، حفاظا على مضارب الأرز واستثماراتها والعاملين فيها، وفي الحقيقة، فإن الدولة تعرف ساعتها أنها فتحت الباب لتصدير المياه، وليس الأرز، حيث ينفق كيلو الأرز نحو ثلاثة أمتار مكعبة من المياه.

فإذا كانت مصر تزرع نحو مليوني فدان من الأرز، فإن المتوسط المحصولي لهذه المساحة سيبلغ نحو سبعة ملايين طن، تستهلك نحو 21 مليار متر كعب من مياه الري.

ولأن المصريين لا يستهلكون أكثر من نصف هذه الكمية، فإن نحو 3.5 مليون طن من الأرز الشعير ستكون مطروحة للتصدير في الخارج، بما يساوي نحو 2.1 مليون طن أرز أبيض، تكون قد استهلكت نحو عشرة مليارات متر مكعب من المياه.

فلو اكتفينا بزراعة نصف المساحة، أي نحو 1.5 مليون فدان من الأرز فقط، لاستطعنا توفير نحو عشرة مليارات متر مكعب من المياه، تصلح لزراعة مليوني فدان جديدة في أراضي الاستصلاح، أو لزراعة المساحة المتوفرة في موسم الأرز نفسه بمحصول الذرة، سواء البيضاء التي تنضم إلى منظومة الحبوب المصرية، أو الصفراء التي توجه إلى صناعة الإنتاج الحيواني والداجني.

ولذلك تصر وزارة الزراعة على حصر مساحة الأرز في الموسم المقبل، في حدود 1.2 مليون فدان فقط، مع استخدام أصناف جديدة ربما تدخل الموسم المقبل، قد تنجح في إنتاج نحو خمسة طن للفدان، والعهدة على محمد أبو عرب الفلاح المثالي في الفيوم، الذي أكد أنه نجح في إنتاج ستة أطنان أرز من الفدان.

وفي الأرز مغانم أخرى، لا يجنيها المصريون، مثلما نجح في استثمارها الفلاح الهندي أو الآسيوي، حيث توصلت دراسات بحثية وعلمية مصرية إلى إمكانية تصنيع القش إلى علف حيواني تصل نسبة البروتين فيه إلى 14.5%، وهي نسبة لا تتوافر في أعلاف التسمين.

كما تجري الأبحاث في الحقول الإرشادية التابعة لمركز البحوث الزراعية حاليا، لإنتاج أصناف من الأرز، تظل سيقانها خضراء، بعد نضج السنبلة، ليستخدم الجزء الأخضر علفا للماشية.

والغريب أن الفلاح المصري المتضرر الوحيد من الهدر، هو الذي يسارع إلى حرق قش الأرز، مع علمه أن الفدان ينتج كمية لا تقل عن 2 طن من القش، يتحولان بمعاملات حديثة إلى طنين من العلف الغني بالبروتين، بما يرفع نسبة التحويل في التسمين لإنتاج اللحوم، كما يزيد إنتاج الألبان في الرءوس الحلابة، ما يضع وزارة الزراعة أمام مسئولية التوعية بهذه القيمة المضافة.

تبقى الإشارة إلى أن جهود الدولة للحد من مخالفات الأرز، تصب في صالح زراعة الذرة، وهو محصول استراتيجي أيضا، كما توفر مليارات الأمتار من المياه التي يمكن توجيهها لإضافة رقعة زراعية جديدة للأجيال المقبلة، خاصة في ظل خسارة مصر نحو 150 ألف فدان نتيجة التعديات بالبناء على الأرض الزراعية منذ ثورة 25 يناير 2011 حتى الآن.
الجريدة الرسمية