رئيس التحرير
عصام كامل

الدكتور عبد الله النجار يرصد: مؤامرة على الأزهر!

الدكتور عبد الله
الدكتور عبد الله النجار

الأزهر يؤدى رسالة لخدمة الدين والفكر الإسلامي لا يمكن لاى مؤسسة علمية في العالم أن تقوم بها سواه، وقد اتسم منهج الأزهر في ايصال هذه الرسالة بالوسطية والموضوعية والتجرد، فلم يحد في يوم من الأيام عن منهجه الوسطى، لا إلى اليمين ولا إلى اليسار، ولم يجامل بعلومه فصيلا على حساب آخر ولا قوة سياسية على حساب قوى سياسة أخرى، وإنما كان متجردا لوجه الله في أداء رسالته، ولعل ذلك السر في بقاء الأزهر إلى يومنا هذا وسيظل الأزهر إلى يوم الدينهو اتباع هذا المنهج.


ولكن حدث في السنوات الأخيرة خروج عن المنهج الوسطى في الدعوة الإسلامية من قبل بعض الذين لم يتعلموا في الأزهر أو الأفراد الذين تعلموا في جهات علمية غير الأزهر، حيث لم يتكون تفكيرهم العلمى على منوال منهج الأزهر الوسطى فانحرفوا في الخطاب الدينى ووجهوا الاحكام الشرعية إلى عكس ما نزلت له، فجعلوا القتل وإراقة الدماء والتعدى على حرمات الاديان، هدفا للأحكام الشرعية وجندوا الخطاب الدينى لكى يؤدى إلى عكس المقصود منه، فضربوا الدين بالدين والشريعة بالشريعة وأظهروا الإسلام أمام العالم كله على أنه دين دموى، يؤيد الإرهاب ويشجعه، دين يعادى الحياة والدنيا ولا ينسجم مع حياة الناس ويمثل خطرا كبيرا على حياة البشرية.
وأنا أعتقد أن ذلك المظهر كان مقصودا حتى يسئ الناس معرفتهم بالإسلام لأن الناس لا يعرفون الفكر الدينى الا من خلال الأفراد الذين يطبقونه، كثيرا من الناس لا يقرأون كتبا ولا يستمعون إلى أحاديث، إنما ينظرون إلى المعانى الإسلامية من خلال سيرة وسلوك المسلمين.
والإسلام انتشر على مر العصور في شرق آسيا وفى غرب الدنيا وشرقها بواسطة المسلمين وسلوكهم وأمانتهم وحسن اخلاقهم في التعامل مع الناس، من خلال التجارة والمعاملات، فلم يكونوا يكذبون أو يغشون أو يمكرون بالناس، وإنما يتصفون بالصدق والأمانة، وعندما يُسألون عن ذلك يقولون: إن ديننا يدعوننا إلى ذلك فكانوا يدخلون إلى الإسلام، فالإسلام لم ينتشر بالسيف أو بالقوة ولا باى وسيلة وإنما انتشر بالقدوة الحسنة من المسلمين، فاذا فقدت القدوة فيظن الناس أن انحراف المسلمين هو انحراف الإسلام لأنهم يعرفون الإسلام من سيرة المسلمين، وسيرة المسلمين الآن ليست على مستوى الإسلام، وبالتالى من الطبيعى أن يسئ الناس فهمهم للإسلام خاصة الذين لا يقرأون عنه، وبعض من يقرأون عن الدين ربما يفسرون الآيات والادلة الشرعية والأحاديث النبوية تفسيرا يتفق مع أهوائهم ضد الإسلام من جهة انهم يعادونه أو يعادون المسلمين، وبالتالى تؤدى هذه المحصلة في النهاية إلى أن الدين يصبح هدفا لكل لهذه التيارات التي تصب في هدمه وتشويه صورته وفى تنفير الناس منه.
الأزهر ليس كذلك، وإنما الظواهر الموجودة تلك ظواهر عارضة ومدبرة بإحكام ضد الإسلام، والأزهر لابد أن يواجه هذه الظواهر بالأسلحة الفكرية والعلمية التي يمكنها أن تواجه مثل هذه الأفكار.
-وأول تلك الأمور التي يجب أن يتسلح بها الأزهر هي أن يتمسك بوسطيته وموضوعيته المتجردة في بيان الاحكام الشرعية وأن يحاول إقناع الناس بهذا الأسلوب وأن يخاطب من يخرجون عن هذا المنهج بالعقل والمنطق وبالموعظة والحكمة والأسلوب الحسن الذي يتقبلونه.

-ثانيا: إذا حصل أي انحراف من أي إنسان عن الفهم الوسطى الإسلام عليه أن ينبه الناس إلى أن هذا الأمر يخالف صحيح الكتاب والسنة وصحيح الدين وينبه الناس إلى خطورة هذا الانحراف عن الفهم الصحيح.
-ثالثا: على الأزهر أن يطور المناهج الدراسية أو بعض المسائل والعبارات في الكتب الدراسية بما يساعد على تكوين عقلية الطالب بحيث يقدر على الفهم والاستنباط لا أن يحفظ أو يصم ثم يذهب إلى الامتحان يضع ما حفظه على ورقة الاجابة، واذا ما انتهى الامتحان وظهرت النتيجة لا يتذكر أي شيء مما تعلمه أو حفظه، وهذه ظاهرة خطيرة، فيجب أن يتدرب الطلاب على الابتكار والقدرة على التفكير المنظم والموضوعية والحياد في التعامل مع الاشياء، ولو تربوا على ذلك ما وجدنا هؤلاء الطلاب الذين استولى عليهم البعض وفرغوا عقولهم من كل أسباب التفكير وادواته وزرعوا في عقولهم معنى واحدا، وهو الطاعة العمياء لمن يوجهونهم إلى الهدم والتخريب والقتل وتدمير المجتمع وعاداته، نريد أن نربى الطلاب على أن يعتزوا بعقولهم وأفكارهم ويكونوا قادرين على التفكير الموضوعى الذي يوزان بين الصالح والمفاسد،ويختار الصالح ويترك المفاسد.

دور الأزهر في الخارج كان واجه منافسة من جهات متعددة منها مثلا الجهات التي تتبع المملكة العربية السعودية والكويت وبعض الجهات من علماء شمال أفريقيا في تونس وفى الجزائر وبعض الهيئات العلمية في الهند وباكستان، كل هذه الجهات بها علماء يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكن مناهجهم تختلف، وهذا الاختلاف يؤدى إلى بلبلة في الاوساط التي يذهبون اليها،وأذكر أنى ذهبت إلى الفلبيين في منتصف التسعنييات، وكانت المشكلة الأساسية التي اشتكى منهم الفلبينيون هي أنهم لا يملكون الدراية الكاملة عن الإسلام، وكانوا يتساءلون: أي إسلام نتبع، هل الإسلام الذي يقول به الأزهر؟ أم الإسلام الذي يقوله السعوديون؟ ام الإسلام الذي تقول به جماعة التبليغ والدعوة في الهند؟
وكانوا محتارين لأن هناك خلافات هامشية على بعض المسائل، وكل فريق يرى أنها مسائل جوهرية في الدين، وكانوا يرون أن في هذا الاختلاف نوعا من البلبلة والفواضى، لأن الناس تريد رأيا واحدا في المسألة، يعرفون به الحق والصواب ورأى الدين وما هو بعيد عن الدين.
ولا شك في أن تضارب الفتاوى من الأمور المزعجة، ولكن االخطأ وراد ولا يوجد أحد معصوما من الخطأ وكل إنسان يؤخذ من قوله ويرد الا الصادق المصدوق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ونحن نفترض أن هؤلاء الذين يرددون هذه الفتاوى الصادمة يبتغون بها وجه الله ولا يبتغون الظهور ولفت انظار الناس لهم.

ولعل من اخطر ما يواجهه الأزهر الآن هو محاربة التشيع، لأن التشييع ليس مذهبا فقهيا لكى نحكم يجوز أن ينتشر أو يناقش ولكن ثبت بالتجربة أنه تمهيد للغزو السياسي، فهو يذهب إلى الدول بدعوى حب آل البيت ويكون الهدف منه أن يكون أشبه بالمقدمة الناعمة لما يليها وهو الغزو والتوسع، وحدث ذلك في كل الدول التي نشروا فيها المذهب الشيعى، وحتى هذا حدث في مصر في اوائل القرن الماضى عندما انشأوا دارا باسم «التقريب» في الزمالك وكانوا يجتمع فيها بعض علماء المذهب الشيعى في عهد الشيخ الأزهر محمود شلتوت وكانوا معتدلين ولكن هم ياخذون بمبدأ «التقية» لانهم يظهرون عكس مايبطنون فهم يدعون إلى الوحدة الإسلامية والتقارب المذهبى ولكن تبين أن مسالة التقريب بين المذاهب خدعة، فالإيرانيون استولوا على الجزر الإماراتية، ولهم صدامات في شرق السعودية في القطيف والاحساء، والتفوا إلى جنوب السعودية عن طريق اليمن وما يقوم به الحوثيون فهذا ليس تقريبا بين المذاهب وانما هي خدعة مقصود بها الجلوس إلى مائدة المفاوضات وهم يفعلون عكس ذلك، والهلال الشيعى يتوسع ويشكلوا يمثلو خطورة على السعودية ومصر والدول العربية.

وأخيرًا فإن كل كتاب يخرج عن صحيح الدين من حق الأزهر أن يواجهه وان ينبه إلى خطورته ويطلب منعه من التداول ولكن للاسف هناك قوى أخرى تدعى حرية التفكير والابداع والتعبير ويلبسون القضية اثوابا قشيبة من المعانى والمبادئ الدولية التي تطالب بحرية الابداع والفكر حتى لو كانت النتيجة مزيدا من الفوضى والتدمير.

الكاتب: أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية.
الجريدة الرسمية