رئيس التحرير
عصام كامل

تجديد الخطاب الديني

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

تردد كثيرًا في الآونة الأخيرة، على ألسنة العديد من المفكرين والمنظرين ورجال الإعلام والصحافة، مصطلح "تجديد الخطاب الديني"، دون أن يوضح لنا أحد ماهية هذا المصطلح، وماذا يعني في مفهوم المتلقي له ؟.


هل يعني ذلك أن الخطاب الديني قديم، ولم يعد يتواكب مع العصر، فلزم تجديده ؟. وهل يشتمل ذلك الخطاب على القرآن الكريم والسنة المطهرة أم أنهما خارج سياق الخطاب الديني فلا يشتمل التجديد عليهما ؟.

الأمر ينطوي على قدر هائل من الالتباس والتشوش الذهني، وهنا ينقسم الناس إلى ثلاثة أصناف: صنف يرتمي في أحضان الخطاب الديني القائم دون طلب للتجديد، ويعلقها في رقبة عالم ويمضي، طلبًا للراحة والدعة التي تصبوا إليها النفس، دون الدخول في متاعب البحث، ومكابدة الفهم، ومشاق التنفيذ لمتطلبات هذا الفهم..

وصنف يلتبس عليه فهم هذا الخطاب، ويجد خصومة بينه وبين العصر الذي يعيش فيه، فيجد أنه من الأيسر عليه تطليق هذا الخطاب طلاقًا بائنًا، فيبني بينه وبين هذا الخطاب حاجزًا، بل وقد تتطور العلاقة بينهما إلى عداوة لها تبعاتها فيما بعد..

اما الصنف الثالث هو الصنف الذي استقل بنفسه في فهم الدين بعيدًا عن الأدوات اللازمة لضبط الفهم وفقًا للأسس العلمية المتعارف عليها، وكَوَّن لنفسه فهمًا خاصًا، تصور أنه الفهم الصحيح، وما دونه باطل وقبض الريح..

ومن هنا جاء فريق الجماعات المتطرفة التي نشأت في المجتمع، ونَمَتْ وترعرعت، وأثمرت الحنظل الذي يتجرعه المجتمع إرهابًا. ووجدنا نماذج بشرية معاصرة قد استدعت نماذج تاريخية من عصور غابرة لتعيش بها في العصر الحديث، وتسعي لفرض هذه النماذج على مجتمعاتها باعتبار أن هذه النماذج هي الدين الإسلامي، وما عداها يعد كفرًا وجاهلية وزندقة..

وهو كلام على خلاف الحقيقة، لأن الإسلام لم يأت ليقف بالبشرية عند القرن الأول فكرًا وسلوكًا، وإنما جاء لكل العصور، حتى قيام الساعة، وعلي الخطاب الديني أن يسعي للبحث في الدين الإسلامي ليجد فيه بذور الإسلام التي تصلح لهذا العصر، فيجري بذرها حتى تنبت، وتنموا، وتترعرع، وتؤتي ثمارها إنسانًا مسلمًا ابنًا لهذا العصر.

الإشكالية بالنسبة للإنسان المسلم المعاصر تتمثل في فكرة غاية في البساطة دون تعقيد، هذه الفكرة هي رغبة المسلم أن يعيش مسلمًا، وأن يعيش عصره، دون أي تناقض أو تعارض، مسلمًا غير منقوص الإسلام، وألا يُحْرَم من العيش في عصره، والتمتع بما فيه في آن واحد. والخطاب الديني هنا يقف عائقًا بين المسلم وعصره، لأن هذا الخطاب موروث من عصور سابقة، وهو فهم رجالات الفكر في كل عصر للنص الديني فهمًا يتواكب مع روح وطبيعة هذا العصر الذي يعيشون فيه، وبالتالي فإن استدعاء هذا الخطاب، وتقديسه، ومحاولة إلباس العصر إياه، هو ظلم بيِّن للعصر الحالي..

الجمع بينهما فيه من التعسف ما فيه، وفيه ظلم للإسلام وإساءة بالغة له. حتى محاولات بعض المفكرين المحسوبين على الفكر الإسلامي إدماج الإسلام في العصر الحالي، كانت محاولات بائسة، لأنها قد أخذت منتجات الفكر الغربي، بدعوي أنها بضاعتنا التي ردت إلينا، وصبها في قوالب إسلامية، ويجهد نفسه في الإستدلال على صحة ما ذهب إليه، فظهرت كتابات مثل الاقتصاد الإسلامي، وعلم النفس الإسلامي، والمحاسبة الإسلامية، وهكذا.

وقد وضعنا أنفسنا في حالة خصومة مع منتجات الفكر الإنساني، وكأنه قد حرم علينا الاستفادة من هذا الفكر. بل إن التناقض قد ظهر جليًا حتى في السلوك، فتجد الرجل يرتدي جلبابًا قصيرًا، وبنطالًا، ولحيته متدلية على صدره، والسواك في يده، والهاتف النقال في يده الأخري، ويغطي شعره بقماشة بيضاء، ثم يقود سيارته إلى المطار، لأنه سيركب الطائرة، ذاهبًا إلى حج بيت الله الحرام.وللخروج من هذا التناقض، وهذه الإزدواجية، لابد من تجديد الخطاب الديني.

فالخطاب الديني كما نفهمه هو فهمك للدين على ضوء معطيات العصر، بما يضمن وجود الإنسان المسلم المتصالح مع عصره، والمشارك فيه بفاعلية وكفاء، دون أن يشعر أنه كافر أو زنديق، وبذات القدر دون أن يشعر أنه جاهل أو متخلف، يكسب الآخرة، ولا ينسي نصيبه من الدنيا. فهل هناك من هو مؤهل للقيام بهذا الدور؟. المسألة في غاية البساطة أن تكون مسلمًا يعيش عصره.
الجريدة الرسمية