رئيس التحرير
عصام كامل

الشيكولاتة اللي بحبها


أنا بنت مصرية.. طفلة أو آنسة أو متجوزة أو مطلقة أو أرملة.. المهم أن الجنسية مصرية.. والدم مصري.. والانتماء مصري.. والأهم إن القلب الطيب مصري.. النهاردة حكايتنا من بنات أفكار مريم.. طفلة مصرية عمرها ست سنين. أيوة.. ست سنين.. بس.


صوتها رقيق كله شقاوة زي شكلها.. ماما.. أنا أهو يا ماما.. وتضحك أم مريم وهي تنظر من البلكونة ملوحة لابنتها في سعادة.. كلي السندوتشات بتاعتك كلها يا حبيبتي فاهمة.. حاضر يا ماما.. وتنظر إلى والدها وتقول له: والشوكولاتة اللي بحبها حكلها.. كلها... يرفعها الأب في حضنه ويقلبها بحب وحنان: الشكولاتة اللي بابا بيجيبها لمريومته.. تضحك..ويضحك.. وتنطلق الطفلة الصغيرة إلى المدرسة.

وتمر الأيام.. والبنت تزداد تعلقا بأبيها.. والشوكولاتة اللي بيجيبها أبوها.. والتي لم ينسها ولا يوم.. فهي بالنسبة لها تعبير عن مدى حبه لها..وفي يوم رجعت مريم من المدرسة لتجد الجميع يلبس الملابس السوداء.. وخالتها وجدتها وكل العائلة في البيت.
وهرج ومرج.. وكلمات تتناثر من حولها.. شهيد.. غدر.. رصاص.. انفجار.. ويعلو صوت القرآن الكريم.. وناس داخلة وناس خارجة.. ثم غرباء وكاميرات وتصوير زي بتوع التليفزيون.. وجوه تشبه التماثيل اللي شافتهم في متحف الشمع.

وناس بتسألها فخورة إن بابا شهيد يا حبيبتي؟! وهي لا تفهم ما معني شهيد؟! زعلانه يا حبيبتي؟ حاسة بإيه علشان الشعب يحس بيكي؟! اتكلمي يا حبيبتي.. وهي تنظر إليهم بدهشة وكأنهم من كوكب آخر.. يا عيني لسه صغيرة أوي.. وهي تريد أن تصرخ فيهم من أنتم؟!.. ماذا تفعلون في بيتنا الهادئ الجميل؟؟ وبابا فين.. ياريت ييجي يمشيهم من بيتنا.. أنا خايفة منهم.

وتتذكر شيئا وبسرعة تجري على حجرة نوم والدها وتفتح الدولاب وتمد يدها الصغيرة الرقيقة إلى البدلة الميري وتأخذ الشكولاتة اللي بتحبها من الجيب.. واحدة بس.. زي ما قالها.. ثم تدخل حجرتها مطمئنة.. بابا جابلي شكولاتة زي ما قالي: لو غبت عنك في يوم يا مريم.. لازم تعرفي إني بحبك أكتر حاجة في الدنيا.. وإني حكون في شغلي.. خدي من جيب بدلتي الميري شكولاتة كل يوم.. واحدة بس.

حاضر يا بابا علشان سناني متساويس وأغسلها على طول..
عارفة يا مريم أنا بشتغل إيه؟؟
أيوة يا بابا ضابط.
أيوة يا حبيبتي علشان أحميكي إنتي والبنات والأولاد اللي آدك.. وأحمي مصر.. مامتنا كلنا..
يا حبيبي يا بابا، أنا بحبك أوي وبحب ماما الصغيرة وماما الكبيرة مصر.. أوي.
وتمر شوية أيام وأسابيع كمان...

وكل يوم ترجع مريم من المدرسة تجري على حجرة نوم والدها الذي لا ينسي أبدا أن يضع لها الشكولاته في جيب بدلته الميري.
ولكن اليوم لم تجد الشكولاتة.. جرت لأمها.. غاضبة وعابسة.. ماما.. بابا نسي يجيب لي شوكولاتة النهاردة.. وتداري الأم دموعها وتعاتب نفسها فقد نسيت أن تضع الشكولاتة اليوم.. فاليوم يوم الأربعين لاستشهاد زوجها..

بابا فين يا ماما؟؟ هو شغل الشهيد ده مش حيخلص بقه؟!
تنظر الأم لمريم بأسي: يا حبيبتي بابا راجل بطل.. وهو دلوقتي في السما وبيبص عليكي..
يعني حيوديني المدرسة تاني إمتي؟

تتمتم الأم الله يلعن الإرهاب.. كسر قلب عيالنا.. وخطف الفرحة من روحنا..وتنزل دموعها رغما عنها.. لتمتد يد الصغيرة وتمسح دموع الأم.. متزعليش يا ماما.. بابا بيحمينا من الإرهاب..
مش الإرهاب دا البعبع في حكايات ماما ستو وأمنا الغولة والساحر الشرير؟

بمرارة.. زي كل دول يا حبيبتي مع بعض..
بس الخير حينتصر في الآخر.. زي الحكاية بالضبط.
بفرحة كبيرة، بجد يا ماما؟
وهيرجع بابا يوديني المدرسة من تاني.. ومينساش يجيبلي الشكولاتة اللي بحبها؟
الجريدة الرسمية