رئيس التحرير
عصام كامل

ساخرون.. الحرافيش للحكومة: أين الضمير؟!

فيتو

نحن قوم لن تغيرنا ثورات ولا معارك ولا رسالات.. نحن قوم لن تغيرنا سوى ضمائرنا.. هذا إن تغيرت الضمائر وعادت إلى رشدها.. فالطبيب والمدرس والمهندس والضابط والمحامى والصحفى والإعلامي وحتى الفلاح باتوا يعملون دون ضمير.. فقط هم ينظرون إلى أنفسهم ومن بعدهم الطوفان.. كل منهم يستنزف الآخر ويتعلل به لأنه يستنزفه هو الآخر.. كل في مهنته لا يراعى ضميره والحكومة هي بعض من خلاصة كل هؤلاء تكتفى بالنظر من بعيد والتنظير على شاشات الفضائيات والصحف اليومية دون حياء أو مسئولية.


اكتب هذه المقدمة القاسية بعض الشيء عقب قراءتى لتلك الرسالة التي جاءتنى ضمن رسائل كثيرة وصلتنى هذا الأسبوع والتي سأعرضها عليكم في السطور القادمة دون حذف أو إضافة:

عزيزى الحرفوش الكبير تحية طيبة دعنى أكررها لك حتى تصلك من القلب للقلب دون الحاجة إلى أن تأخذ فيها دروسا خصوصية لتستوعبها ويشملها قلبك
نعم يا سيدى فرسالتى هذه مفادها أن حياتى على الرغم مما فيها من عناء وكد وشقاء أصبح لا "ينغصها" ويشق عليها سوى الدروس الخصوصية حتى أن هذا اللفظ أصبح يلازمنى في جدى وهزلى

فأنا أب لخمسة أبناء أكبرهم في الثانوية العامة وأصغرهم ابنتى في الصف الثانى الابتدائي وبينهما ثالث في الصف الرابع الابتدائى ورابع في الصف الأول الإعدادى وخامس يدرس في الشهادة الإعدادية
هما ولدان وثلاث بنات يطوقون عنقى بالدروس الخصوصية منذ سنوات وأنا المجرور بحبل يشده مدرسوهم يمينا ويسارا كل أول شهر دون رحمة أو رفق أو مهادنة.

نأكل أقل ما يأكل الناس ونلبس أقل ما يلبس الناس طالما حل علينا العام الدراسى حتى نوفر ثمن الدروس لا لشيء سوى لأنه لا يوجد تعليم بالمدارس.. هي فقط سويعات يقضيها الأبناء كى يعودوا محملين بحقائبهم المكتظة بالكتب والكراسات لكن كل منهم لم يحصل شيئا من دروسه لأن المدرس ليس لديه وقت للشرح في المدرسة.. هو فقط يحشو لهم ما بالكتاب حشوا وبأقصى سرعة كى يتخلص من المنهج الذي تطالبه الوزارة بإنهائه في موعد محدد حسب كشكول التحضير الخاص بسيادة أهل اللى خلفوه.

هذا الكلام يا سيدى ليس كلامى.. ولم أكتب لك ما ذكرت من بنات أفكارى كى أنتقم من المدرسين الذين يعصروننى كل أول شهر.. لكنه كلامهم هم وتعبيراتهم هم واعترافاتهم هم دون خجل أو حياء

المدرسون يا سيدى أصبحوا يصعبون الدروس على التلاميذ كى يلجئوا لهم في الدروس الخصوصية ويبدو أن هذا هو حال كل المصريين في جميع المهن.. والمؤسف أنها تنتشر بين أصحاب المهن التي كنا نظنها مقدسة.. فمثل المدرسين في هذا كمثل أطباء النساء والتوليد الذين باتوا يقنعون كل أب أن تجرى زوجته عملية قيصرية لأن ولادتها الطبيعية قد تؤدى بها إلى الموت أو تؤدى بالجنين إلى الاختناق استسهالا منهم للفتح والقفل الذي يدر عليهم أموالا أكثر من الولادة الطبيعية في المستشفيات العامة حتى أصبح كل أبنائنا خريجى حضانات وأجهزة تنفس وكل نسائنا جرحى في بطونهن

أنا يا سيدى أحصل على راتب شهرى قدره ثلاثة آلاف جنيه وهذا المبلغ يبدو بالنسبة لأقرانى كبيرا ولا يستهان به.. إلا أننى لم أنعم منه بجنيه واحد يدخل جيبى.. فنصفه للدروس الخصوصية والنصف الآخر يكفينا بالكاد لنأكل ونسكن لنستر أنفسنا بين الناس.. اللهم إلا في إجازة آخر العام أشعر أننى أعيش.. فأين هي مجانية التعليم يا سيدى.. وأين هي تصريحات الحكومة بالقضاء على الدروس الخصوصية.. وما بال مواطن آخر لديه مثل أبنائى وراتبه لا يتعدى 1500 جنيه أو أقل وهم كثيرون؟.. فكيف يعلم أبناءه وكيف يعيش ؟!
وأين مسئولو التعليم من مراقبة المدرسين في مدارسهم.. أين وأين وأين راتبى الذي يذهب رغم أنفى لمجموعة مدرسين لا يرحمون كونى أبا لخمسة أبناء وكل منهم يأتينى بسيارته الفارهة رغم أن راتبه الوظيفى أقل من راتبى بكثير

ألم يقف هؤلاء المعلمون احتجاجا كى تزيد رواتبهم وتعللوا ساعتها بأنهم سيمنعون الدروس الخصوصية في حال رفع رواتبهم ؟!

ألم تعلن الحكومة عندما استجابت لهم ورفعت الرواتب وجعلت لهم كادرا خاصا أنها فعلت ذلك من أجل أن تحد من الدروس الخصوصية ؟!

أين ذهبت كل هذه التصريحات من هؤلاء وهؤلاء؟.. فالحال كما هو عليه وزيادة

ستقول لى يا سيدى "لا تعط لأبنائك دروسا فنحن على أيامنا لم نأخذ دروسا وكنا ننجح وبتفوق !"
سأقول لك لقد كنا نستوعب دروسنا من معلمينا أصحاب الضمائر.. لكن مدرسى هذا الزمان يخلو أكثرهم من الضمائر وأنا في هذا لا أبالغ ولتسأل كل أولياء الأمور بل وكل المدرسين أنفسهم

أنا هنا ياسيدى لا أوجه لك لوما فأنت ناقلا لمشاكلنا ليس أكثر وعلى هذا نتوجه لك ولجريدتكم بالشكر والامتنان
لكننى ألوم حكومتنا الرشيدة هذه التي تحكم دون رشد بل ولم تبلغ سن الرشد حتى يومنا هذا رغم ثورتين كفيلتين بأن يمنحاها الثقة بتحركاتها خاصة أن لديها رئيسا نعده من أقوى الرؤساء شخصية ونفوذا منذ أعوام كثيرة

أنا يا سيدى فقط أريد منك في حال أن تحوز رسالتى هذه على رضاك وتقرر نشرها أن تنشرها موجهة للحكومة تحت عنوان "أين الضمير ؟!" وفى النهاية وكى لا أطيل عليك وعلى تلك المساحة المخصصة لأمثالنا الحرافيش لك منى كل التحية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الجريدة الرسمية