رئيس التحرير
عصام كامل

الراقصة صافيناز لــ «سطوطة الفنجري»: البلدي لا يؤكل!

فيتو

منذ أيام جاء لزيارتي وفد قادم من دولة الكويت الشقيقة.. الوفد عبارة عن ثلاث سيدات وأزواجهن من كبار عائلات الكويت.. علاقتي بهم وثيقة جدا تمتد إلى أوائل التسعينيات؛ حيث كنت فيه زيارة هناك وعلمت من مصادري الخاصة بدولة العراق الشقيقة، أن صدام حسين قد قرر غزو الكويت خلال ساعات.. على الفور أبلغتهم وطلبت منهم الاستعداد للسفر إلى القاهرة.

بالفعل، رافقني أصدقائي وقمت باستضافتهم على أكمل وجه ووفرت لهم المسكن وكل ما يلزم الحياة، بحيث لا يشعرون بالغربة في بلدهم الثاني.. أبدى أصدقائي استغرابهم لعلمي بخطة الغزو قبل وقوعها بساعات، وأدركوا أن حجم علاقاتي يصل إلى رؤساء الدول وأجهزتها المخابراتية وخاصة عندما استضافهم زميلي وأستاذي "أبو طقة" كبير فشاري مصر والعالم العربي، وأخذ يحكي لهم مغامراته مع الملوك العرب والرؤساء في معظم دول العالم حتى أنه تحدث هاتفيا أمامهم مع الرئيس بوش زعيم أمريكا في ذاك الوقت، وطلب منه سرعة التدخل لتحرير الكويت، الأمر الذي قابله دبليو بوش بالموافقة وطلب من "أبو طقة" أن يقنع مبارك بإرسال قوات للسعودية تساهم في عملية التحرير، فما كان من "أبو طقة" إلا أن قال لي أمامهم "كلمي أنتِ مبارك يا سطوطة دا حبيبك واقنعيه بإرسال قوات"..

بالفعل طلبت مبارك أمامهم ورويت له ما طلبه بوش من "أبو طقة"، فأبدى موافقته على الفور، وكان ما كان من قصة تحرير الكويت وعودتهم إلى بلادهم سالمين غانمين.

لم ينس أصدقائي هذا الموقف وظلوا على اتصال دائم بي وقاموا بدعوتي أكثر من مرة للكويت، وكنت أقضي هناك أياما جميلة أعود بعدها محملة بالهدايا الثمينة لي ولزملائي بدرب الفشارين.

سنوات زادت على العشرين عاما ومازالت علاقتي بهم وثيقة جدا، الأمر الذي يحتم عليَّ استضافتهم كلما حلوا ضيوفا على القاهرة للاستمتاع بليالي صيفها الساهرة.

ومنذ أسبوع استقبلتهم بمطار القاهرة ورافقتهم حتى فندق الـ "فور سيزون"؛ حيث يقيموا كلما أتوا إلى مصر، وفي ليلة الخميس الماضي طلبوا مني أن أحجز لهم في أحد ملاهي الهرم الليلية الشهيرة حيث علموا أن الراقصة "صافيناز" سوف تحيي الليلة هناك، وكانوا لم يستطيعوا الحجز لعدم توافر "ترابيزات" حيث كان الحجز مسبقا بأيام.

ولما رأيتهم "متلهفين" على مشاهدة الرقص الصافينازي، اتصلت بصاحب الملهى وشرحت له الموقف فقال لي سوف أوفر لهم مكانا بالصالة بشرط أن تأتي معهم ونستنير بوجود سطوطة هانم عندنا، وبالفعل وافقت وقلت لنفسي إنها فرصة كي أطلع على ما يحدث في عالم الملاهي الليلية، الأمر الذي قابله الرجل بسعادة بالغة.

أخبرت أصدقائي بذلك ففرحوا فرحا كبيرا وخاصة السيدات منهم، وأنا لا أدري لماذا تفرح سيدة بمشاهدة راقصة خاصة أن زوجها سيكون من المشاهدين أيضا.

أتى المساء واتجهنا إلى الملهى المكتظ عن آخره، وبعد وقت طويل تخلله طعام العشاء والمشروبات بأنواعها وسماع بعض الأغاني من المطربين الشعبيين المعروفين، أعلن المذيع عن النمرة القادمة التي وصفها بالخطر.

قال المذيع: "حان الآن موعد الإثارة والمتعة والأنوثة.. موعد الدلع والفرفشة والانبهار.. حان الآن موعد النعومة.. إنها راقصة مصر الأولى رغم أنف الحاقدين صافينااااااااااااااااااااااااااااااااااااز....".

كمية من التصفيق لم تنقطع حتى ظهرت النجمة اللامعة على المسرح وأخذت في الرقص على أنغام موسيقى العنب العنب العنب.. وللأمانة رأيت أعين الرجال تكاد تبتلع جسد الفتاة، ورغم أنني أرتدي اللي على الحبل وكاوية شعري بـ "مكواة رجل" عند أحسن كوافير في مصر، إلا أن رجلا لم يعيرني ولو نظرة شفقة، الأمر الذي جعلني أصب حقدي كله على صافيناز.

أخذت أقول لضيوفي: إن صافيناز لا تبهرني، وقد رقصت "دينا" على أنغام العنب العنب أفضل منها بكثير، ساعتها لاحظت أن أحدا من ضيوفي لم يسمعني ولا يعيرني أي اهتمام، وكأنني "هاموشة زنت فوق آذانهم فقاموا بهشها في نفس واحد"..

لملمت خجلي والتفت إلى صافيناز حتى انتهت من وصلتها ومرت تلقي السلام على ضيوف الملهى، كما أشار لها المذيع حتى وصلت إلى ضيوفي، أهل الكويت وسلام مربع للكوايتة فقلت لها "على فكرة دينا رقصت أحسن منك على أنغام العنب العنب.."، فقالت لي بدلال: "ميرسي يا هانم.. فالرجالة هي التي بتحكم وليس أنتِ.."، فقلت لها: بالعكس يا حبيبتي فالنساء هن الأقدر على الحكم خاصة فيما يتعلق بالرقص الشرقي!، فردِّت علىَّ أم نص لسان وقالت وهي تتمايل: دا لما يكونوا نساء يا هانم!

ضحك الموجودون ضحكة مكتومة شعرت معها بالإهانة، فقلت لها: "فينك يا مسامير لما كنا خشب.. يا بنتي أنتِ صناعي مش طبيعي والبلدي يؤكل!"، قالت: يا هانم المستورد هو الحل.. البلدي دا كان زمان عندما لم يكن هناك بدائل.. يعني كان اضطراري يا هانم!، قلت لها: يا بنتي أنا كنت بهز شوارع مصر عندما كنت أمشي فيها!، قالت: أديكي قلتِ كنت يا هانم.. لكن أنا بهز مصر كلها وعلى وسطي العلم الوطني كمان!، قلت: علشان كدا لازم تمشي من مصر!

قالت: "كان غيرك أشطر يا هانم.. واحدة وزيرة كانت عايزة تعمل كدا فقام الرجال المصريون بمظاهرة وكلفوا أحدهم أن يتزوجني كي أبقى بينهم لأرفه عنهم من جراء البلدي الذي لم يعد يؤكل!".

شعرت أن البنت "فرستني" أمام ضيوفي، فقلت للمذيع أن يعلن عن رقصة بلدي من ضيفة الملهى سطوطة هانم الفنجري، وبالفعل أعلن المذيع عن الرقصة ووقفت وما أن بدأت الرقص حتى بدأ الحضور في الانصراف واحدا تلو الآخر، الأمر الذي جعل صافيناز تضحك كثيرا بعد أن انتظرت "مخصوص" لتشهد الحدث الذي يبدو أنها توقعته تماما.

نزلت من المسرح ووجهي عليه ألوان الطيف كلها، وقلت لضيوفي: ما رأيكم في الرقص المصري؟، فقالوا لي مجاملين: "مافيش أروع من كدا يا ست سطوطة".

كانت صافيناز قد ذهبت إلى غرفة ملابسها كي تبدل بذلة الرقص بفستانها، فاستأذنت ضيوفي وذهبت إليها وقلت لها بصراحة: أنتِ غايظاني يا بت أنتِ!، فقالت: هو أنا عملت لك حاجة يا هانم؟!، قلت: رجالة مصر كلها بتتثبت لما بتشوفك.. هو أنتِ فيكِ أيه يعني مش فيَّ.. دا أنا ملكة جمال مصر في الثمانينيات!

قالت: لكننا في الألفية الثانية يا هانم وكل وقت وله أذان!، قلت: يعني أنتِ الأذان بتاع اليومين دول يا حيلتها؟!، قالت: أيوة يا هانم أنا الأذان بتاع النهارده!، فخرجت من عندها وأنا أقول: "الله أكبر ولله الحمد.. راحت علينا والتنازلي بدأ العد!".

وعند ضيوفي قلت لهم: على فكرة أنا كنت بهرج مع صافيناز، وهي كذلك فنحن أصدقاء وهي دائما ضيفتي في المنزل وأنا كذلك، إنها فنانة حقا موهوبة!، فقال الرجال في نفس واحد: إذن اطلبي منها أن تأتي لمنزلك غدا وسنأتي نحن كي نتعرف عليها!

وهنا خرجت أردد عدودتي الشهيرة: "وأنا ماشية في الجبل.. لقيت حجر مبروم.. جيت أمسكه.. فكرني بدماغ المرحوم"، ضحك ضيوفي جميعا وقال لي أحدهم: فعلا يا سطوطة هانم أنتِ فشارة مبدعة!

وقال آخر وهو يتمتم مع نفسه: قال صافيناز صاحبتها قال، فقلت لهم جميعا: على فكرة أنا مش هكون موجودة في مصر إذا طلبتم رؤية صافيناز مرة أخرى!

فضحكوا وضحكت وذهبوا إلى فندقهم، وكلهم حماس فعرفت ساعتها لماذا ذهب النساء بصحبة أزواجهن لمشاهدة صافيناز التي ألهبت حماسهن.. ثم انصرفت أنا إلى منزلي وحيدة لأكتب لكم ما دااااااار!
الجريدة الرسمية