رئيس التحرير
عصام كامل

من القرية إلى المشنقة.. بتوقيع عادل حمودة

فيتو

يصوره البعض شيخا من مشايخ الطرق الصوفية والبعض يقول إنه مفكر إسلامى جاء في وقته للخروج من الجاهلية ويصوره البعض الاخر متمردا سياسيا يرمى الحجارة على شبابيك كل النظم الاجتماعية والسياسية والثورية وأنه معقد نفسيا خرج على السلطة الابوية العسكرية لإحياء التقاليد القبلية.

كان لسيد قطب أكثر من وجه ولون ولقب فهو معلم وشاعر ومفكر ومفسر وملحد ومسلم ومتطرف ومصلح ومبدع ومجاهد ومجتهد وشهيد فتحولاته حادة.
اخطر ما في سيد قطب، كما يقول عادل حموده في كتابه سيد قطب من القرية إلى المشنقة أنه كان الشماعة التي علق عليها أعضاء الجماعات المتطرفة عملياتهم واخطاءهم.
كانت بدايات سيد قطب لا علاقة لها بنهايته بدأ معلما ناقدا للأدب، شاعرا رقيق الحس، مرهف الانفعال،ملحدا لا يثق في موهبة الدين على تغيير،
بدأ قطب متفتحا على الدنيا متحمسا للمعارك الفكرية وانتهى ناقما على الثورة، محرضا على الكفاح ضد نظام حكم جمال عبد الناصر، متطرفا بعد أن جزم بتكفير المجتمع وجاهليته، معلقا في إحدى مشانق الستينيات، على حد قول حمودة.
كان مشوار حياة سيد قطب مليئا بالانعطافات والانقلابات والتغييرات الحادة، فأنصاره يرون أن في حياته ما لا يجوز أن ينشر، والمقصود بذلك الأيام التي كان فيها على خلاف مع الدين، بعيدا عن حظيرة الايمان، مندفعا كالفراشة ناحية الضوء المبهر للحضارة الغربية، فكان يكتب عن المرأة والعشق وموسيقى الجاز ويدعو أن تكون في مصر مستعمرات عراة، فكان أنصاره يتمنون أن يفقد من ذاكرة التاريخ ذلك الجزء من أيامه لتبدأ قصة حياته من لحظة الهداية والعقيدة وبداية الطريق إلى الاستشهاد.

طفل القرية المدلل..!
لابد أن سيد قطب كان ابن ظروفه ومجتمعه لابد أنه كان ابن القرية التي اختلطت فيها المعتقدات بالخرافات والتي فقدت اسرته فيها ما تملكه من ثروة.
لابد أنه كان خير مثال للحكمة الشهيرة التي تقول أنه على قدر ما يعرف الإنسان من معلومات وبيانات على قدر ما يصل من أفكار وأن زيادة المعرفة قد تقلب هذه الأفكار وتغيرها تؤكدها أو تنفيها أو تحولها في حياته إلى تراث.
ففى قرية صعيدية غير شهيرة اسمها موشا..ولد سيد قطب سنة 1906، تقع القرية في زمام مديرية محافظة أسيوط وقد شاءت الاقدار أن يشهد مسقط رأسه بعد ثلاثة ارباع قرن على ميلاده تطبيقا عمليا حيا لأخر الأفكار الدينية التي انتهى إليها ومات عليها الجهاد لفرض حاكمية الله ونزع حاكمية البشر،شاءت الاقدار أن تكون أسيوط المسرح الدائم لعرض هذه الأفكار بالصوت والصورة بالخنجر بالرصاصة والقنبلة بالعنف والقسوة.
كان حبه للحياة المريحة المرفهة، بحسب الكتاب، قد بدأ معه منذ طفولته فكان من الرجال الذين يراعون المظاهر ويحافظون عليها ويعمل لها ألف حساب فكان ذلك السر وراء فزعه من السجن في الخمسينيات والستينيات وانعكاس ذلك على أفكاره وتصرفاته.
كان الكتاب يعنى بتحفيظ القرأن بينما المدرسة تهمله، فكان سيد قطب يريد المدرسة ويرفض الكتاب، لكنه أرهق نفسه وصحته وراح يسهر الليل إلى منتصفه ليحفظ القرأن بجانب الدروس الاخرى وفى نهاية السنة الرابعة كان قد حفظ القرأن وانتهى من دراسته الأولية معا وهو في العاشرة من عمره.
شرب سيد قطب من نبعين، وتعلم في اتجاهين، وتعرض دون أن يدرى لما يسمى الازدواج الثقافى والتعليمى وذلك في سن مبكرة في بداية المراهقة وهذا التناقض يجعل من يتعرض له في تناقض حاد يفرض عليه التأرجح احيانا والانتقال الحاد من الضد إلى الضد احيانا أخرى وهذا ما حدث له بالفعل فيما بعد عندما انتقل من مرحلة الشك والتحليق في افاق الحضارة الغربية إلى مرحلة الكفر بها والانقضاض عليها رافعا في مواجهتها نموذجه الإسلامى المتطور أو عندما انتقل من مرحلة الالحاد والاباحية والجدل المطلق إلى مرحلة حاكمية الله ورمى المجتمع بالكفر والجاهلية حيث استغرقت هذه الفترة التي حدث فيها الانتقال بتطرف 40 سنة من حياته أي نحو ثلثى عمره، كما يروى حمودة.

لقد وجدت القرأن
هتف سيد قطب على طريقة ارشميدس الشهيرة وجدتها وهكذا بدأت مرحلة جديدة في حياته.
كان سيد قطب ابن مجتمعه وظروفه ومن المؤكد أن أفكاره وتحولاته كانت انعكاسا لما حوله، ففى سنوات العشرينيات والثلاثينيات كان المجتمع من حوله يموج بالتيارات والدوامات والمعارك الادبية، فكان أن نزل الساحة يحمل سيف النقد.
اكتشف سيد قطب الإسلام، بحسب الكتاب، بمنظار النقد الادبى واخضع لهذا المنظار كل ما قرأه، دواوين الشعر، وأدب الرحلات والسير ودراسات الشخصية والتوراة.
فمن يقرأ القرأن بحثا عن صوره وظلاله الفنية لابد أن يحفظه ويتشربه ويتأمله ويعرف معانيه وكلماته وسحره واعجازه، ولابد أن يقترب من حكمته وتفسيره، ولابد في النهاية أن يخضع لسلطان القرآن، وهذا ما حدث مع سيد قطب فجاء به من الشك إلى الدين وكانت نهاية هذا البحث بداية جديدة له بداية قال عنها: وجدتنى أشهد في نفسى مولد القرآن من جديد، لقد وجدته كما لم أعهده من قبل ابدا. لقد كان القرآن جميلا في نفسى نعم، ولكن جماله كان أجزاء وتفاريق، أما اليوم فهو عندى جملة موحدة تقوم على قاعدة خالصة، قاعدة فيها التناسق العجيب ما لم أكن احلم من قبل به وما لا أظن أحدا تصوره.
تخطى فهم قطب للقرآن حد الصور، والظلال تخطى هدفه الادبى والبلاغى إلى ما هو مختلف عن هذا الهدف، تخطاه إلى الواقع الاجتماعى والاقتصادى.

أمريكا.. التي رأيت
1948 تلك السنة من السنوات الانقلابية الحادة في تاريخ العرب وفى حياة سيد قطب أيضا.
كان سيد قطب يهاجم النظام الملكى وكاد هذا الهجوم الذي أخذ شكل مقالات نارية أن يوقعه في الحبس لولا صلاته الوفدية القديمة التي أنقذته، وبدلا من الحبس سافر إلى أمريكا، وقبل البعثة بوقت قصير نقل إلى منصب في مكتب الوزير يؤهله لها.
عاد سيد قطب من أمريكا ساخطا عليها ومهاجما حضارتها بل أكثر عداء لها مما كان قبل السفر وإن لم ينف هذا أنه هاجم بنفس القدر الشيوعية والشيوعيين أيضا.
اعترف سيد قطب فيما بعد لرفيقه في السجن سيد سالم أنه وقع تحت إغراء الاوساط الأمريكية بكل الوسائل ولكنه لم يسقط في شباك أي منها، حسبما يروى الكتاب.

ظلام في نهاية النفق
تعرف سيد قطب على جمال عبد الناصر قبل أن تقوم الثورة بشهور. كانت علاقة الأخير قوية بجماعة الإخوان المسلمين قبل الثورة بنحو 12 سنة كما كان عضوا في إحدى خلاياها في مطلع عام 1944، بحسب الكتاب.
كان جمال عبد الناصر في مرحلة يبلور فيها أفكاره وآراءه، قد شد إلى سيد قطب فكانت هناك صداقة بين الأخير وبعض الضباط الأحرار، لكن شاءت الأقدار أن تتحول هذه الصداقة إلى خصومة، الشىء الذي جعلهم ينقسمون إلى فريقين، فريق خارج القفص وفوق منصة القضاء، وفريق آخر داخل القفص محاصر بأخطر الاتهامات، وكان عبد الناصر على رأس الفريق الأول، وسيد قطب في قلب الفريق الآخر.

مفكران في الطريق
عندما وجد سيد قطب نفسه في بطن حوت السجن لم يتصور أنه سيكون مثل يونس عليه السلام ويخرج منه إلى الحياة سالما مرة أخرى.
أمسك سيد قطب المفكر والاديب والناقد والفنان قلمه ودفاتره وخبرته الدينية وكتب رأيه في المجتمع الذي اعتقله أو الذي سمح باعتقاله والذي لم يغضب ويتمرد لاعتقاله وقام بتكفيره.

تنظيم مستشفى طرة

نكون أو لا نكون، يكون الإخوان أو لا يكونون، هكذا كانت القضية كما انتهت إلى سيد قطب وهو لا يزال وراء الأسوار.
استقر في يقينه تصور أن السلطة بعد محنتى المنشية «1954» وليمان طرة «1957» تنفذ مخططا لم ينته بعد وستسعى إلى إضعاف جماعة الإخوان بمزيد من اختلاق المحن تقضى عليهم وتشرد نساءهم وتخرب بيوتهم وتيتم أطفالهم، ثم إن هذا اليقين الذي ملك كيانه لم يلبث أن انقلب إلى استنفار وتحد، فلا يمكن أن يعرف الإخوان ذلك المخطط ولا يتحركون، لا يمكن أن يعرفوا ويقفوا مكتوفى الأيدي، فذلك معناه الاستسلام للذبح دون مقاومة، فلابد من المواجهة فإما أن نكون أو لا نكون فلا مفر من الاختيار.

لم يجد سيد قطب بعد حادث طرة من الإخوان حوله في السجن، من يمكنه أن يستوعب أفكاره وينضم إلى جماعته، قضى الحادث على معظم الإخوان الذين كان من الممكن تجنيدهم، وكان الوحيد الذي يمكن أن يطاوعه ويناقشه،تلميذه وصديقه ورفيقه في الحبس لمدة 10 سنوات محمد يوسف حواش.
الجريدة الرسمية