رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

د. محمد حبيب يكتب: آراء في فكر سيد قطب

سيد قطب
سيد قطب

لعب سيد قطب - رحمه الله - دورا خطيرا وبارزا في تاريخ جماعة الإخوان، خاصة في الستينيات من القرن الماضى، ولايزال هذا الدور قائما، داخل الجماعة وخارجها، حتى الآن.

وقد ارتبط اسم الأستاذ سيد - على المستوى الفكرى - بقضايا ثلاث؛ التكفير، والحاكمية، والجاهلية..وقد تناولت كتابات كثيرة هذه القضايا، وألفت فيها تصانيف، ووضعت فيها بحوث ودراسات لكتاب وعلماء كبار.

في كتابه «شخصيات لها تاريخ» (دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة؛ ط١، ٢٠٠٨)، يقول د.محمد عمارة: أنه «عقب الخلاف بين الإخوان والثورة، بعد توقيع اتفاقية الجلاء في ٢٧ يوليو ١٩٥٤، رأس سيد قطب مجلة (الإخوان في المعركة) - وهى مجلة الجماعة السرية - المناوئة للثورة..ودخل السجن عقب أكتوبر ١٩٥٤، وحكم عليه بالأشغال الشاقة ١٥ عاما..لكن الرئيس العراقى عبد السلام عارف طلب الإفراج عنه، فصدر له عفو صحى في مايو ١٩٦٤، بعد ١٠ سنوات من السجن والتعذيب..انتقلت بفكره نقلة نوعية فحكم على المجتمعات الإسلامية كلها بالكفر والجاهلية..بل وحكم بارتداد الأمة عن الإسلام منذ قرون، وكتب يقول: (أن وجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة) والمطلوب جعلهم (مسلمين من جديد)..وعن هذه المرحلة عبرت كتبه (هذا الدين، المستقبل لهذا الدين، ومعالم في الطريق)».

في دراسته بعنوان «في الرؤية العامة للإصلاح والمبادئ العامة للحركة» (إسلام أون لاين؛ أبريل عام ٢٠٠٩)، تناول إبراهيم الهضيبى نظرة سيد قطب للإسلام، والمجتمعات المعاصرة، والتنظيم، والمنهج، والحركة..الخ.، فقال: أن نظرة سيد قطب للمجتمع تختلف بشكل جذرى عن نظرة البنا، فالأول يعتبر جميع المجتمعات القائمة اليوم - حتى التي تزعم لنفسها انها مسلمة - هي مجتمعات جاهلية، واننا في جاهلية تامة، ف «كل ما حولنا جاهلية»..والجاهلية التي يقصدها قطب هي «الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية وهى الحاكمية»..ولا يقصد قطب - كما يشير القرضاوى - جاهلية العمل والسلوك، وإنما جاهلية العقيدة، فحكم بذلك بكفر الأمة بأكملها، ولم يعتبرها مرتدة لأنها لم تدخل الإسلام من الأصل، على اعتبار عدم فهمها لمعنى شهادة لا اله الا الله..وقد غلا فخلع عن «لا اله الا الله» بالكلية كل من قصر في جانب من جوانبها، حتى وان كان تقصيرا وليس انكارا، ولم يفرق في ذلك بين الاصول والفروع، ولا بين العالم والجاهل، وجعل المسائل كلها من العقائد..ويرى قطب أن المسلمين هم «مسلمون نظريا»، وانه «لم يعد للمسلمين إسلام»، وان الإسلام «يرفض الاعتراف بشرعية هذه المجتمعات كلها»، الأمر الذي اعتبره د. محمد عمارة مستوى من المجازفة والغلو غير مسبوق في تاريخ الصحوة الإسلامية الحديثة والمعاصرة على الإطلاق.

ويضيف الهضيبى أنه من أجل هذه النظرة، طالب قطب أنصاره بالاستعلاء على المجتمع، لأنهم وإياه في مفترق طرق، وحتى لا يفقدوا المنهج والطريق..بل طالب الرجل بالانفصال أو «العزلة الشعورية» عن المجتمع، فالعقيدة تدعو المؤمنين لأن يستقلوا، «وتقول لهم انتم الآن؛ مجتمع اسلامى مستقل منفصل عن المجتمع الجاهلى».

هذا المجتمع المستقل مطالب بتكوين تنظيم يتحرك من خلاله لأن العقيدة الإسلامية «تحب أن تتمثل في نفوس حية، وفى تنظيم واقعى، وفى تجمع عضوى، وفى حركة تتفاعل مع الجاهلية من حولها»، وقطب هنا يشير إلى أن العزلة إنما تكون شعورية لا عملية، حيث أنه لا يريد الانفصال ماديا عن المجتمعات، فهو لايزال يحاول استقطاب أفرادها إلى مشروعه أو تنظيمه..ولان المجتمع جاهلى، ولا توجد بينه وبين التنظيم مساحات مشتركة، فان التغيير لا الإصلاح هو الحل لـ «أسلمة المجتمع»؛ وهى لا تتم الا بأن يزيل هذا التنظيم المسلم «هذه الأنظمة بوصفها معوقات للتحرير العام»؛ وهو بالتالى يكون مجتمعا إسلاميا منعزلا عن المجتمع حتى تكون له القوة الكافية للقفز على السلطة..هذا المنهج في التغيير يتناقض مع منهج البنا التدريجى الذي يبدأ بالفرد وينتهى بالحكومة..
ويرى الهضيبى أنه بالرغم من عدم دعوة قطب الصريحة إلى استخدام العنف، فإنه لم يأخذ منها الا موقفا وقتيا، بمعنى أنه كان يرى أن الوقت غير مناسب لاستخدامه؛ «فلا ضرورة في هذه المرحلة لاستخدام القوة»، وهو بذلك ترك الباب مفتوحا امام هذا الخيار، بل ولم يقدم غيره في رؤيته للتغيير، فأسس بذلك لما يسمى ب (العنف المؤجل)..

ويقارن البشرى بين فكر البنا وفكر قطب، فيقول: ففكر البنا «فكر يزرع أرضا وينثر حبا ويسقى شجرا وينتشر مع الماء والهواء، أما فكر سيد قطب فهو يحفر خندقا ويبنى قلاعا عالية الأسوار سامية الأبراج، قلوعا ممتنعة، والفرق بينهما هو الفرق بين السلم والحرب».

وقد أدى الغلو الشديد بقطب إلى رفض بعض المفاهيم كالوطنية، إذ اعتبر أن من صور «الشرك الخفية»: الشرك بالأرض، والشرك بالجنس، والشرك بالقوم، والشرك بالنسب، والشرك بالمنافع القريبة»، «فلا وطن للمسلم إلا الذي تقام فيه شريعة الله»، «ولا جنسية للمسلم إلا عقيدته».

عن قضية العلاقة بين الإسلام والانتماء القومى والوطني، يقول د. أحمد الريسونى في كتابه «الفكر الإسلامى وقضايانا السياسية المعاصرة» (دار الكلمة للنشر والتوزيع؛ ط١، ٢٠١٠)، أن الأنبياء يبعثون - أول ما يبعثون - على أساس قومى ووطنى، وقد تنحصر دعوتهم في هذا الصعيد وقد تمتد خارجه، ولكن بعده. وهذا واضح صريح في حديث القران الكريم عن كافة الأنبياء والمرسلين. ثم يقول: وللفقيه الشافعى الكبير، المعروف بالقفال الكبير (ت ٣٦٥ هجرية)، رأى يقول فيه: فإذا بعث الرسل إلى أمم مختلفى البلاد والالسنة والأخلاق، كان المقصود الاصل هم قوم ذلك الرسول وأهل بلده، فإذا ثبتت الدعوة فيهم صح الاصل، ثم من سواهم تبع وفرع. يعقب الريسونى على هذا فيقول: على أن هذه الطبيعة القومية، والوظيفة القومية للأنبياء ليست ذات منطق عنصرى، وإنما هي ذات منطق فطرى...أن النزعة العالمية والوحدة الإسلامية، لا يمكن أن تتقدم قيد أنملة، ما لم تمر عبر القومية والوطنية. فالوحدة الإسلامية والأخوة الإسلامية، لن تكون سوى خيالات وتمنيات، إذا لم تكن هناك وحدة وطنية وأخوة قومية.

يستطرد قائلا: ومن هنا ندرك الخلل الفظيع الذي يقع فيه بعض الإسلاميين، حين يستخفون بانتماءاتهم الوطنية والقومية، وقد يعادونها ويشمئزون منها. وما زلنا نسمع من بعضهم استعمال وصف «وثنى» لكل ما هو «وطنى»...ولعل مما يعمق هذا الخلل ويزينه في النفوس، ذلك الشعار الذي اطلقه بعض الدعاة في هذا العصر (يقصد حسن البنا وسيد قطب)، وهو: «جنسية المسلم عقيدته»، وهو شعار ملتبس خادع للمثاليين السطحيين. فالجنسية اليوم هي انتماء مدنى اجتماعى، له حقوق وعليه واجبات، وليس انتماء مذهبيا عقديا، حتى يقرن بالعقيدة ويقارن بها.
Advertisements
الجريدة الرسمية