رئيس التحرير
عصام كامل

رسالة إلى عوائل الـشـهداء

فيتو

أمي ـ أم الشهيد ـ أعلم وأحس وأشعر بمصابك الجلل في وفاة ابنك أو ابن ابنك، أشعر بتمزق قلبك واحتراق كبدك. مات من كان يرعاك ويسهر على راحتك في شيخوختك. مات شقاء العمر، وتعب السنين، وحصاد العمر كله، ولكن ألا يسرك أنه سبقك إلى الجنة كي يكون في انتظارك على بابها، يأخذ بيدك إلى مقام كريم، حيث يكون شفيعك أمام رب العالمين.


أبي ـ أبو الشهيد ـ انقسم ظهرك بموت نجلك أو حفيدك، مات من كنت تعده للغد، وتدخره لقابل الأيام، حتى يكون سندك، وظهرك عندما يتقوس الظهر وينحني، عصاك التي كنت تتوكأ عليها، وحامل اسمك بعد موتك، أشعر بك، وأشعر بمرجل الألم بداخلك وهو يئن من الغليان. اصبر واسترجع، فأنت لها، ولهذا نصنع الرجال. ويكفيك أنك قد انجبت بطلًا عاش كريمًا، ومات شهيدًا، دون أن يفر أو يهرب أو يولي الدبر، وكنت تعلم أنك دافعًا به إلى هذا المعترك الصعب، وهو في انتظار لقاءك يوم البعث العظيم، متشفعًا لك.

أختي ـ أخت الشهيد ـ اشعر بوجعك والمك، اعلم أن صورته لن تزايل مخيلتك، ولن تفارق وجدانك، فهو الحبيب الذي كان يجيئك مبتسمًا فاتحًا ذراعيه كي يأخذك في أحضانه، امتداد الحب والحنان والود، معه لم تنقطع عنك الحياة، وبه تشعرين بامتداد الجذور الضاربة في أطناب الأرض. مرفأ الحياة وإن قسي، ونهرها الدافق وإن جفي.

ابني ـ ابن الشهيد ـ يا له من فقد تتوقف معه الحياة، عشت تلك اللحظة ـ طفلًا ـ وكنت اظنها نهاية الكون والحياة. نعم، اتشحت الحياة كلها بالسواد، حيث غابت الرؤية، وضاعت البوصلة، وفقدت مصدر الحياة وأصلها، أصابت حياتك ضربة قاصمة، وهزها زلزال مدمر، ولا تدري كنه المصير، ولا تعي ملامح المستقبل، وما تنطوي عليه الأيام. ومع كل ذلك الاضطراب الذي أصاب حياتك في تلك اللحظة، سيأتي اليوم الذي يطوي كل ذلك، وسيبقي معك، عالقًا بذاكرتك ووجدانك أنك ابن الشهيد، وهنيئًا لك فقد انتقلت من كفالة الأب إلى كفالة الرب.

إلى أختي ـ زوجة الشهيد ـ اعلم أنك قد فقدت الحبيب، وأن مصابك فيه لا يعادله مصاب. مات الدفء والحنان، مات الأنيس والملاذ الآمن. مات الحلم والأمل، توقفت بك الحياة عند تلك اللحظة، ماتت الهمسة، واللمسة، ماتت أسباب الحياة. ستتذكرين كل اللحظات واللفتات،كل الإبتسامات. ستذكرين لحظات الرضا والغضب. اقول لك، هو أبدًا لم يمت، ستشعرين به في كل لحظة، في كل ركن وزاوية، ستشعرين به في أحضانك، أنفاسه تملأ الأرجاء، وتملأ عليك أقطار نفسك. أبدا لم يمت، هو معك في كل لحظة، في حركاتك وسكناتك، مع كل نفس من أنفاسك، لن يدعك تشعرين بالوحدة والوحشة، سيتحدث إليك وتتحدثين إليه، وسيقص عليك كل الأقاصيص.
Advertisements
الجريدة الرسمية