رئيس التحرير
عصام كامل

جبروت أم


كنت قد انتهيت من شراء احتياجاتي، وعند خروجي من أحد المحال، وجدت شابا يصطحب طفلا في الرابعة من عمره تقريبا، كان الطفل يبكي بحرقة وكان الشاب يحاول تهدئته، شعرت بالقلق عليه، فرجعت فورا وعرفت أنه وجده يبكي أمام المحل، أخذت أتكلم مع الطفل محاولة طمأنته، ولكنه كان في حالة انهيار: "مش لاقي ماما، ماما ضاعت" قلت: ماتخفش كلنا معاك لحد ماما ما تيجي، ثم سألته عن بعض الأشياء لعلي أستدل على أمه، وسألت الشاب عن مكان الإبلاغ عن الأطفال المفقودين، كي أبلغ عن مكان وجوده، آنذاك كانت ابنتي تداعبه حتى يهدأ والحقيقة أن الكل كان متأثرا لحال هذا الطفل المفقود.


فكرت في أمه وأشفقت عليها، كان الله في عونها، أكيد منهارة، وفجأة وجدت امرأة تراقب الموقف من أعلى سلم أمامنا، كانت تنظر نظرة عجيبة لم أستطع وقتها تفسيرها، هل هي نظرة تشف؟ أم نظرة المنتصر في المعركة! لكن ممن وعلى من يا ترى؟

سمعتها من بعيد بصعوبة، فالأصوات حولنا صاخبة، تقول بتحد وكأنها تحاول تبرئة نفسها: أنا قاصدة أسيبه عشان يحرم يبعد عني! يا للهول أهي أمه؟! لحظة ذهول هيمنت علينا جميعا، كأننا شخصيات داخل فيلم سينمائي نتحرك بالتصوير البطيء، نعم هذه السيدة ذات الملامح الجامدة هي أمه! كيف تحملت تعذيب ابنها كل هذه المدة؟ ألم ينبض قلبها؟ ألم تخامر الأمومة شغف قلبها، نظرت لابنتي فإذا بالدموع تنساب على خديها، فجريت على أمه محاولة إنقاذ وقوع كارثة تربوية، وهمست في أذنيها حتى لا يسمع صغيرها:

ماينفعش تقولِ له كده، اوعي يسمعك، لو عرف أنك تعمدتي تركه سيفقد ثقته فيكِ العمر كله - عبارات قصيرة قلتها متلاحقة بصرامة - وقف الولد وراءي، كان مرتبكا وهي تنظر إليه بمنتهى القسوة، ولكي أخفف من قسوة اللحظة احتضنته ووضعت يدي على صدره، ثم حاولت أن ألملم مشاعره المبعثرة.

كانت دقات قلبه تهز صدره وجسده النحيل بعنف، والعجيبة أنها كانت تهزني أيضا؛ قلت له كي أكسر حدة الموقف: الحمد لله أهي ماما جت، وانتهى الموقف.

قد تُصادف أما تتصرف بطريقة غير تربوية، لكن هذه المرة الأولى بالنسبة لي على الأقل التي أرى فيها أما بهذا الجبروت، وسألت نفسي كيف سيعاملها ابنها عندما يكبر؟ وهل ستنتظر منه برا وحنانا لم يرهما هو منها؟ تألمت جدا وما زلت أتألم وأبحث لهذه الأم عن دافع أو مبرر، الحقيقة لم أصل لشيء، فحنان الأم تجاه أبنائها فطرة حتى بين الحيوانات المتوحشة؛ ارفقوا بأطفالكم واسقوهم من حنانكم حتى يرتووا، عاملوهم بهدوء وروية، أدوا الأمانة على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، أحسنوا زرعكم اليوم وانتظروا يوم الحصاد.
الجريدة الرسمية