رئيس التحرير
عصام كامل

كـشف المــستور

فيتو

ما قصدت اليوم إلى كتابة مقال في السياسة، وما كان لي لو كتبت في السياسة -أن اكتب في هذا الموضوع- فالأحداث الجارية على أراضي الشقيقة ليبيا بعد الإطاحة بالعقيد معمر القذافي تدعو إلى الحزن والأسف على ما آلت إليه الدولة..


بلد أسد الصحراء عمر المختار أصبحت محطًا للتنازع المسلح بين أبنائها، حيث يقتل الأخ أخيه، ويأسره، ويتعامل معه باعتباره أسير حرب. وكأني بليبيا وقد تحولت إلى غنيمة ملقاة على قارعة الطريق تنتظر من يقتنصها، تعري لحمها، وانكشفت سوءتها، وخارت قوتها، وتبددت ثروتها، ولم يبق منها سوى ذلك الكرسي الدوار الذي تلف به الرءوس، وتدور على محورها، وتتطاير من أجله الرقاب.

قيل في البداية أنها ثورة تستهدف التخلص من الحكم الديكتاتوري المستبد، وقد كان كذلك بالفعل، وكان يجدر بالشعب الليبي أن يثور عليه، ويطيح به، ويتولى الشعب أمر نفسه بإرادة حرة مستقلة فاعلة على نحو ما يطمح الثوار فيما عرفناه من ثورات في كل أصقاع الأرض. إلا أن الثورة، أيًا كان مصدرها ومصادر تمويلها، كان يتعين على مفجريها أن يحرصوا على أن تظل ليبية خالصة، أما الاستعانة بقوى خارجية ممثلة في حلف الناتو في إسقاط النظام بالحديد والنار، فقد حول الثورة إلى مسارات أخرى بخلاف المسار الثوري، بداية من أجندة الأهداف المبتغاة، وانتهاءً بالنزاع المسلح بين الفصائل والقبائل على مناطق النفوذ، ولو أفضى ذلك إلى القضاء على آمال وطموحات الإنسان الليبي التي كان يتغياها من ثورته، بل والقضاء على كيان هذا الإنسان، وهلاكه، والتآمر على وجوده ذاته.

مشكلة الدولة الليبية أن مخازن السلاح المكدسة من عهد القذافي فتحت على مصارعها أمام العوام من أهل القبائل بلا ضوابط ولا قواعد، وأصبح المتحدث الوحيد في ليبيا هو صوت الرصاص. ولو كان التدخل الغربي ممثلًا في حلف الناتو يعمل لوجه الله تعالى، ولصالح حقوق الإنسان الليبي، وللديمقراطية والحرية، لنزل إلى الأرض الليبية لجمع هذه الأسلحة، والسيطرة عليها، والسعي إلى إعادة تشكيل المؤسسات الأمنية التي تحفظ على الدولة الليبية كيانها ووجودها كدولة مدنية حديثة، إلا أنه ترك ليبيا بعد أن دمرها، وترك مخازن السلاح لشذاذ الآفاق يتخطفونها، ثم جرى التدخل بعد ذلك بالتمويل سواء على نحو مباشر أو غير مباشر لإعلاء شأن فئة دون فئة بقوة السلاح..

وما زال طحن العظام جاريًا في ليبيا على قدم وساق. وتحولت ليبيا من دولة جارة شقيقة مأمونة الجانب إلى برميل بارود قابل للانفجار في وجه جيرانه في أي وقت يتم اختياره وتحديده وفقًا للأجندة الغربية..

وكشف المستور فيما يتعلق بعلاقة الغرب والأمريكان بثورات المؤامرة هو المستهدف، لأن أي حركة للشعوب الثائرة في أي اتجاه أو مسار مغاير للمسار المحدد في الأجندة تتم مجابهته، والعمل ضده، بذات الدواعي القديمة / الجديدة التي يجري اجترارها على مدى الحقب الإستعمارية المتعاقبة.

وهذا ما حدث في الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الإخوان في مصر، فقد ألبسوها لباس الانقلاب العسكري حتى يسهل هدمها بالهجوم عليها والنيل منها ومن قادتها بذات المصطلحات البالية التي يرددونها مع كل انقلاب عسكري يأتي بمن ليس على هواهم ومزاجهم ومصالحهم، وكل أدبياتهم السياسية تقول بأن ما وقع في مصر ليس انقلابًا عسكريًا، بل ثورة شعبية حمي إرادتها الجيش.
الجريدة الرسمية