رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

جريمة مبارك أنه كان "ديمقراطي"


هذه هي بالضبط جريمته الكبرى. أقصد من وجهة نظر الكثير من مناصريه. ومن وجهة نظر الأهم منهم، وهم هذه الشريحة العليا في مؤسسات الدولة، ومنها القضاء والجيش والشرطة والأجهزة الأمنية والسيادية. هذه شريحة واسعة ولها مصالح وتصورات سياسية، بل ويمكن القول، إن معظمهم لديه مشروع سياسي، وإن كان بالطبع داخله تباينات وتناقضات، مثل أي تجمع سياسي.

أضيف إلى هذه الشريحة من ارتبطوا بالسلطة بشكل دائم، من كبار العائلات في بحري وقبلي. والكثير من أصحاب المصالح في ارتباطهم بالسلطة الحاكمة أيًا كانت. من أيام عبد الناصر واتحاده القومي وانتهاءً بالحزب الوطني "بتاع مبارك". لا أقصد مصالح بالمعنى الرخيص أو المبتذل. ولكن كما قال الدكتور توفيق عكاشة، في لقائه الأخير مع عمرو أديب: "إحنا بتوع الدولة، مش مهم مين بيحكم". أو كما يقول بعض أصدقائي: "نحن أنصار الدولة التقليدية". 

هذه شريحة واسعة في بلد مؤسساتها البيروقراطية متضخمة. ويضاف على هذه الشريحة قطاعات من النخبة السياسية، حتى المعارضة، فهي لا تختلف مع جوهر هذا المشروع السياسي، لكنها تختلف مع الدرجة فقط. مثل مدى القبضة الأمنية. في كل الأحوال، أغلب هذا التحالف السياسي والاجتماعي يرى أن ما مر بالبلد منذ ثورة يناير وحتى الآن، كان تخريبًا وهدمًا للدولة. وأدى إلى تولي "الإخوان وحلفائهم، وهم إرهابيون متطرفون"، وبداية اختطاف الدولة والمجتمع. وأدى إلى أن يظهر على السطح "العملاء والخونة بتوع التمويلات، وخدامي المؤامرة الأمريكية الغربية لهدم مصر". 

أنا هنا لا أناقش أسس هذا المشروع السياسي، لكني أحاول فهمه والتفكير فيه بصوت عال. كما أنني لا أدين أصحابه. فهم مثل كل التجمعات فيهم المخلص لمشروعه والانتهازي والحقير.. إلخ. 

إذن كل الكوارث التي مرت على البلد منذ ثورة أو مؤامرة يناير سببها أن الرئيس الأسبق مبارك كان ديمقراطيًّا أكثر من اللازم. وأن قبضته كرئيس للدولة التي يقدسونها ويؤمنون بها قد تراخت. وأن هذا أدى إلى: 

•السماح بوجود ونمو مجموعات احتجاجية ليست تحت السيطرة. 
•السماح لمنظمات المجتمع المدني بالعمل بهامش أوسع مما يجب بكثير. 
•السماح إلى حد ما بالاحتجاجات الفئوية. 
•السماح الزائد بحرية الرأي والتعبير وتأسيس صحف وقنوات خاصة، قد تكون تحت السيطرة، ولكنها في النهاية هناك انفلات هنا وهناك. 
•التغاضي عن المتأمرين من الداخل والخارج، والسماح والسماح.. إلخ.
هذا الهامش الواسع، من وجهة نظر هذه الشريحة، هو ما أدى في الأساس إلى "مؤامرة يناير" أو الثورة أو الاحتجاج الذي تم استغلاله من قبل قوى سياسية على رأسها الإخوان. ومن بعدهم أعداء إقليميون مثل حماس والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها وغيرها. 

إذن ما هو الدرس المستفاد بالنسبة لهذه الشريحة الواسعة: 
بعد إصلاح المسار بثورة 30-6، فالمشروع ليس بناء بلد يمقراطي حقيقي، وتأسيس دولة القانون والحريات الفردية والعامة. ولكن في مزيد من الاستبداد. بالطبع لا يقولون استبدادًا ولكن يختارون مسميات أخرى. مثل هيبة الدولة وقوتها وكرامتها.. إلخ. وهذا يفسر التراجع المروع في الحريات (تعيين رؤساء الجامعات، قانون التمويل الأجنبي، قانون الجمعيات الأهلية، العصف القضائي بالخصوم السياسيين.. إلخ). 

هذا المشروع لا يستند، فقط، على جرعة ديكتاتورية أكثر بكثير من مبارك فقط. ولكن مع إضافة تعديلات، منها محاربة الفساد، لكن بطريقتهم. أقصد ليس بأن تكون الأجهزة الرقابية مستقلة بشكل حقيقي عن السلطة التنفيذية. وليس باستقلال حقيقي للقضاء والنيابات. ولكن بمطاردة هنا وهناك لفاسدين حقيقيين. ومن المهم أيضًا في هذا المشروع السياسي أنه ينطوي على تحسن اقتصادي بالطبع. مثل المشاريع الضخمة، وتحسن الأداء الاقتصادي للدولة. لكن دون وضع أسس قانونية وسياسية لبيئة حاضنة ومشجعة للاستثمار. 

لا أريد الخوض في مزيد من الأمثلة. فالمهم أن أصحاب هذا المشروع السياسي لا يرون طريقة أخرى للحفاظ على الدولة المصرية. "عشان منبقاش زي سوريا والعراق". لكن المشكلة أن هذه الصيغة المستمرة منذ 1952 بتنويعات ودرجات مختلفة، تعرضت لمخاطر وفشل ذريع. ليس في مصر وحدها، فقد كانت جزءا من موجة شهدها العالم تحت عنوان ضخم "حركات التحرر الوطني". أقصد أن هذه الصيغة أو المشروع الذي يبدو الآن أنه الطريقة الوحيدة لإنقاذ مصر، هو في الحقيقة سيؤدي إلى خرابها. 

فالمجتمعات التي حافظت على نفسها باحترام جاد للحريات الفردية والعامة هي التي استمرت وأصبحت قوية وناجحة (العالم وتاريخه مليء بالأمثلة). أما المجتمعات التي تعيش محاطة ببناء يبدو قويًّا، يحوي القمع والاستبداد والخراب، فكل عوامل الانفجار كامنة داخله، إن لم يكن الآن أو غدًا. 
saiedshoaaib@gmail.com 

Advertisements
الجريدة الرسمية