رئيس التحرير
عصام كامل

مبدأ شرعية السطو الانتخابي


كتبتُ من قبل أنه ولئن كان من حق جمهورية تركيا شعبًا وتاريخًا أن يكون لها مقعد في مجلس الأمن الدولي، بل ولو لم تكن الإمبراطورية العثمانية قد تلاشت قبل اختراع هيئة الأمم المتحدة بقليل لكان يُمكن أن تحصل على مقعد دائم داخل المجلس بدلًا من اللُّهاث الآن وراء مقعد وقتي. إلا أنه ليس من المتوقع كلية في ظل النظام التركي الحاكم أن تسطو على هذا المقعد الدولي الهام، فليس من المقبول استمرار ممارسات النظام الأردوغاني لما سميته يومًا بمبدأ "شرعية السطو السياسي والانتخابي" أثناء مرحلة الريبة قبل استيلاء حكم الإخوان على حكم مصر بدعوى ديمقراطية صناديق الاقتراع، ذلك المبدأ الذي شارك نظام حزب العدالة والتنمية التركي في تصديره إلى بعض شعوب الشرق بمشاركة جماعة الإخوان ومن خرج عنهم من تنظيمات تقنَّعت بعباءة الدين الإسلامي القويم، مُستغلين العاطفة الدينية السمحة الضاربة في خلدهم!

كانت هذه وجهة نظري السابقة على الاقتراع، والحمد لله أنه منذ أيام قليلة قالت الصناديق "لا" في التصويت النهائي ولم يقفز النظام الأردوغاني على العضوية، لتفوز مملكة إسبانيا بهذا المقعد الأوربي لمدة عاميْن قادميْن وتحل محل مملكة لوكسمبرج. إذ كيف يأمن المجتمع الدولي لنظام عليه خطوط حمراء في دعم بعض التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة إيجابيًا أو سلبيًا؟! أن ينال عضوية في مجلس الأمن كأحد أجهزة الأمم المتحدة الذي من المفترض أنه منوط بالحفاظ على السلم والأمن الدولييْن!

وما من شك أن الأفكار والسياسات الخارجية التي يتَّبعها النظام الأردوغاني ساهمت في هذه النتيجة، سواء التحرشات المتكررة مع بعض دول جوارها أو تدخلاتها في دول ثانية أو مواقفها تجاه دول أخرى أو ردود فعلها المتباينة تجاه التنظيمات الإرهابية، وما نتج عنها جميعًا تدهورًا ملحوظًا في العلاقات التركية الدولية، كل ذلك أقلق العديد من الدول وكان موضع استياء من بعضها ومندوبيها قبل وأثناء التصويت، وأتوقع استمرار تصاعده إلى فشل آخر.

ولست مع التهويل الإعلامي لدور كل من مصر والسعودية في حرمان تركيا من الفوز بعضوية مجلس الأمن، وعودة الكثير من التأثيرات الإعلامية إلى ما كان يُحدثه الإعلام الناصري والساداتي والمباركي من النصب المعلوماتي والفكري بزعامة هيكل وأتباعه وشركاه آنذاك ثم تلاميذهم من بعد، لتضليل هذا الشعب الجميل البسيط الذي تدخل نسبة كبيرة منه في خندق الأمية الثقافية، نفاقًا للأنظمة الحاكمة واستمرارًا لمبدأ المصالح غير المُرسَلَة! 

كما أنني لست مع التقليل من الدور المصري السعودي المؤثر في هذا الشأن ولكنه ليس الوحيد، فالثابت أن كلا الدولتيْن نجحتا في إدارة تحركات دبلوماسية محددة في بعض الاتجاهات دون غيرها، فكثفتا محادثاتهما تجاهها ضد رغبات النظام الأردوغاني، بعيدًا عن التوسع في التعامل مع ما يُقارب المائة وثلاثة وتسعين دولة الأعضاء في الأمم المتحدة، مما ساهم بالتأكيد في التأثير على الفشل التركي. كل ما أتمناه إعلاميًا على الأقل هو وضع كل الأمور في إطار حدوثها الصحيح دون تهويل أو تقليل أو تضليل على الشعب والرأي العام!

والواضح أيضًا من متابعتي المتواضعة للأحداث في الصحف العالمية ووكالات الأنباء المختلفة خلال الأسبوع السابق على إجراء الاقتراع السري في هذا الشأن، أن عروس شبه الجزيرة الأيبيرية قد استطاعت وبإتقان دبلوماسي مشهود الفوز بالمقعد المذكور في جولة الاقتراع الثالثة بعد مارثون الإعادة والفشل في استقطاب ثلثي أصوات الدول أعضاء مجلس الأمن في الجولتيْن الأولى والثانية، لتحصل في الثالثة على ما يفوق ثلثي أصوات الدول الأعضاء بقليل وما يزيد على ضعف الأصوات التي حصلت عليها تركيا، على الرغم من النشاط التركي الأردوغاني الموجَّه منذ فترة طويلة لهذا الغرض وما تاخمه من اجتماعات منزوية وتربيطات مُحكَمة، ليفشل نهائيًا في تمرير أطماع شرعية سطوه عبر صناديق الاقتراع السري.
Poetgomaa@gmail.com
الجريدة الرسمية