رئيس التحرير
عصام كامل

122.. "نمرة" أم "نجدة"؟!


قبل عيد الأضحى الماضي بنحو أسبوعين فقط، وفي حدود الحادية عشرة مساء، اتصلت بخدمة "122"، التي يعرفها المصريون بأنها "النجدة"، وأبلغتها بما يفيد وجود سيارة من نوع مرسيدس، كانت تمارس رياضة "التفحيت" داخل شارع الأشجار في المقطم، وأنها تسببت في إزعاج السكان، وأن بها ثلاثة شبان تظهر على ملامحهم ما يثير الرعب.


بعد محاولتين من الاتصال برقم "122"، والملل من سماع الرسالة المسجلة المعروفة "إن جميع متلقي البلاغات في خدمة مواطن آخر"، رد شخص بدا على صوته أنه غير مكترث، ربما لتعدد البلاغات، وربما لإجهاده من العمل الممل في تلقى البلاغات وتسجيلها وتحويلها إلى الدوريات المعنية، فحمدت الله على الرد والفوز بالنتيجة المبدئية المريحة.

ولأن باب سيارتي كان لا يزال مفتوحا حين اعترضت السيارة المرسيدس، لإبلاغ قائدها بخطورة ما يفعله ليلا داخل الأحياء السكنية، فإن التعرف على سيارتي كان سهلا، ليسجلوا بذلك هدف رد اعتبارهم، وفعلا عادوا في الليلة الثالثة من البلاغ وهشموا الزجاج الخلفي لها.

الغريب أنني كنت قد عاودت الاتصال برقم "122" بعد نحو خمس دقائق من الاتصال الأول، وأبلغتهم بمواصفات دقيقة للسيارة المرسيدس: بيضاء اللون، الفانوس الأمامي الأيسر مكسور، وكذلك الفانوس الخلفي الأيمن، وتظهر عليها ملامح الإنهاك، ما يعكس احتمالا بأن تكون مسروقة، وأن الشبان الثلاثة الذين كانوا بداخلها غير طبيعيين، وغير مكترثين باعتراضي لهم، وأبلغتهم خوفي من عودتهم لتحطيم السيارة.

رد الشخص المسئول بتلقي البلاغات، وقال: سيارة النجدة في طريقها إليك، فأبلغته بأنه لا فائدة، حيث من الطبيعي أن تكون السيارة المخالفة قد انطلقت إلى شارع 9 الرئيسي في المقطم، وكل ما يجب فعله، هو التعميم عليها بالرقم الذي لا أذكر منه سوى الحروف الثلاثة "ع ف ي"، فطمأنني مأمور الرد، وعليه نمت مستقرا، لكن غير مطمئن.

مرت الليلة الأولى ثم الثانية بسلام، وفي صبيحة اليوم الثالثة أبلغني حارس العقار بتحطيم الزجاج الخلفي للسيارة، فأيقنت أن الرسالة قد وصلتني كاملة، وأن رقم "122" مجرد "نمرة" وليست نجدة.

هذه الواقعة ليست الأولى من نوعها، وكلما حكيت عنها لزميل أو صديق أو جار، تزاحمت في رءوسهم المواقف الشبيهة، التي تتفاوت بين الرد الآلي فقط، الذي يفيد أن "جميع متلقي البلاغات في خدمة مواطن آخر"، أو عدم الاكتراث بالبلاغات التي من هذا النوع تحديدا، ليقف الأمر فقط عند الاهتمام بالحوادث المرورية، وذلك بإبلاغ الإسعاف لنجدة المصابين، وربما تصل سيارات الإسعاف بعد صعود الروح إلى بارئها، لهبوط ضغط المصاب بسبب النزيف الدموي الحاد.

والأسئلة التي تفرض نفسها على هامش هذه الواقعة:
ـ ما فائدة الكمائن الأمنية التي تتعدد في معظم شوارع القاهرة ليلا، إذا كانت مثل هذه السيارات تجوب الشوارع الفرعية داخل الأحياء السكنية بلا رادع؟

ـ هل ما نراه في الأفلام، سواء المصرية أو الأجنبية، يمكن أن يتحقق على أرض الواقع، لتصل النجدة بعد طلبها بدقائق معدودة، ليتأكد المواطن من أنها ليست مجرد خدمة تكلف الدولة أموالا طائلة؟

ـ هل يصعب على وزارة الداخلية أن تثبت للمواطن أنه ينعم بقدر من الاحترام والأمان، وذلك بالاتصال به ومتابعته بعد تقي بلاغه، مع إبلاغه أيضا بأي نتيجة محققة نتيجة جهدها المبذول لاحتواء الواقعة محل البلاغ؟

ـ هل هناك جهة في وزارة الداخلية معنية بالتفتيش على البلاغات، التي تقول الرسالة الإلكترونية إنها مسجلة، لدراسة مدى فاعلية هذه الخدمة، والتأكد من أنها "نجدة" فعلا، وليست "نمرة فشنك"؟

وإلى أن يأتي الجواب الشافي على هذه الأسئلة، سأبيت يوميا على هاجس أن أصحوا عدة مرات لأجد زجاج سيارتي مهشما، حيث لا يكتفي المجرم بتوصيل الرسالة مرة واحدة فقط.
barghoty@yahoo.com
الجريدة الرسمية