رئيس التحرير
عصام كامل

دكتورة دينا شكري أستاذ الطب الشرعي: لا أخشى تشريح جثث الموتى

فيتو

  • الطب الشرعي يجب أن ينفصل عن وزارة العدل
  • استعمال العنف مع الأبناء يجعلهم قنبلة موقوتة داخل المجتمع 
  • العنف ضد كبار السن لم يصبح ظاهرة في مجتمعنا
  • عدد الطبيبات الشرعيات في مصر كبير مقارنة بالدول العربية
  • أتأثر بقضايا الأطفال وأسرتي لا تخجل من تعاملي مع الجثث

رغم صعوبة مجال الطب الشرعي وما يتطلب من التعامل مع جثث في محاولة للوصول إلى الحقيقة الغائبة، إلا أن المرأة اقتحمته وأثبتت كفاءة عالية، ووضعت بصمة، وتحدت طبيعتها الأنثوية التي تمنع معظم السيدات من التعامل مع الجثث أو تشريحها، مما دفعنا إلى التعرف على نماذج من الطبيبات الشرعيات اللاتي اقتحمن هذا المجال، وأسباب دخولهن عالم الجثث والأموات. 
الدكتورة دينا شكري هي واحدة من هؤلاء، فهى أستاذ الطب الشرعي والسموم بكلية الطب جامعة القاهرة، وعضو بالمجلس الاستشاري للمحكمة الجنائية الدولية، ورئيس أكاديمة البحر المتوسط للعلوم الطبية والشرعية، وقد أكدت في حوار لـــ"فيتو" أن المرأة أثبتت كفاءة عالية في الطب الشرعي، كما أثبتت ذلك في كل المجالات الأخرى، وكما تعاملت مع حالات من الأحياء مثل حالات الإصابات، والاعتداءات، تعاملت أيضا مع الجثث في محاولة للوصول إلى الحقيقة وكشف الحق وإعلاء كلمة العدل، مضيفة أنها تقوم بدور كبير في التعامل مع حالات العنف الأسري،
وتابعت: إن المرأة لها قدرة كبيرة على التحمل، والمثابرة، والقدرة على العمل لفترات طويلة، وهو ما يميزها في أي عمل تقوم به. 

*ما الذي دفعك لدخول مجال الطب الشرعي، والإبحار في عالم الجثث والأموات ؟
الطب مهنة إنسانية بشكل عام، ومن أكثر التخصصات التي تمس الأسرة المصرية، هو تخصص الطب الشرعي من سيدات، أطفال، وكبار السن، ونظرا لاهتمامي الشديد بقضايا العنف الأسري، وأسبابه ودوافعه، قررت التعامل مع تلك القضايا من منظور الطب الشرعي، حيث إن من خلاله يمكن توثيق الجرائم، والحفاظ على الحقوق، فضلا عن التعامل مع الضحية من الناحية النفسية ومحاولة إعادة تأهيلها من جديد، فقمت بعمل خطة متكاملة في كيفية التعامل مع تلك الجهات.

*ألم تخشي التعامل مع جثث الموتى وتشريحها ؟
لم أخش من تشريح جثث الموتى، فنحن في كليات الطب في السنة الأولى والثانية، تعلمنا كيفية التشريح، وكنا نتعامل مع أجزاء من جسد الإنسان وندرسها بصفة تشريحية مفصلة، ثم تعاملنا مع الجثث حديثة الوفاة وقمنا بتشريحها بهدف علمي لمعرفة أسباب الوفاة، وليس بصفة جنائية، وهناك سيدات كن يتقبلن هذا الأمر، وأخريات لم يستطعن التعامل مع الجثث، ولكني كنت أنظر إلى الأمر بأنه عملي ومهنتي، وليس كعمل عادي، وإنما يعتبر الطبيب الشرعي قاضيا طبيا يقوم بتشريح جثث الموتى للوصول إلى الحقيقة وإقامة ميزان العدل، رغم أن الناس العادية تنظر إلى الأمر بشكل مختلف، وبنوع من الخوف. 

*ماذا كان شعورك أول مرة قمت بتشريح جثة فيها ؟
تأثرت في البداية، لكن بعد ذلك تعودت على رؤية الجثث وتشريحها، لم أفكر بمنطق الخوف، وإنما أفكر فقط بأنها مهنة ووضعت أمام عيني هدف كشف الحقيقة بضمير القاضي، مثل طبيب الأورام، والجراح، وأنا أمارس التشريح لا يوجد مجال في التفكير أو التركيز في المشاعر بقدر التركيز في الوصول إلى الحقيقة والعدل.

*ما أكثر القضايا التي عملت بها وتأثرت بها ؟
تعاملت مع قضايا كثيرة، وأكثر القضايا التي تأثرت بها هي القضايا المتعلقة بالأطفال، مثل قضايا سقوط أطفال من علو بسبب إهمال الأمهات، وهناك قضية أخرى تأثرت بها وهي قيام خادمة بإلقاء طفل أمام أمه من شرفة المنزل، بهدف الانتقام من الأم، لمعاملتها معاملة عنيفة وسيئة، كما تأثرت أيضا بقضية أخرى وهي حريق بالمنزل أدى إلى تفحم الأطفال الموجودين به، بالإضافة إلى قضية لطفل توفى بسبب إغلاق أطراف المنضدة حول رقبته أثناء لعبه بها، أدى إلى تعرضه للاختناق ثم الوفاة، وجميع القضايا التي تتعلق بالأطفال أتأثر بها جدا لطبيعتي كامرأة وأم أيضا.

*ألم يؤثر عملك كطبيبة شرعية على بيتك وأسرتك ؟
عندما أدخل إلى المنزل أترك مشاكل العمل خارجه، استطعت الفصل بين المنزل والعمل، اهتماماتي في الحياة متعددة، وعملي استقطع من وقتي في المنزل، لكن ليست العبرة بعدد الساعات التي أقضيها في المنزل، وإنما الفكرة في مدى تأثيري، ودوري الفاعل في حياة أفراد أسرتي.

*ألا يستغرب أفراد أسرتك من عملك وسط الجثث والأموات ؟
لم يحدث ذلك، ولم يلمحوا يوما بأي نوع من الخوف أو النفور من تعاملي مع الجثث والأشلاء، ولم يضعوا هذا الأمر في تفكيرهم نهائيا، بل اعتبروها مهنة عادية كأي طبيب آخر يمارس الطب ويتعامل مع جسد الإنسان.

*لماذا عدد الطبيبات في مجال الطب الشرعي قليل بالنسبة لعدد الرجال في ذات المجال ؟
عدد الطبيبات الشرعيات في مصر كبير بالمقارنة بعددهن في الدول العربية الأخرى، حيث كانت المرأة تنأى بنفسها عن الدخول في هذا المجال لصعوبته وطبيعته الخاصة، والآن في مصر أصبح وجود الطبيبات الشرعيات في كل قسم من أقسام الطب الشرعي بكليات الطب في الجامعات المصرية بنسبة 60%.
والآن في الدول العربية بدأت السيدات تقتحمن مجال الطب الشرعي كما أن هناك نوعية معينة من القضايا مثل قضايا الاعتداءات الجنسية، والتحرش الجنسي، وجود طبيبة امرأة أفضل من الرجل في التعامل.

*ماذا أضافت المرأة المصرية لمجال الطب الشرعي ؟
المرأة أثبتت كفاءة عالية في الطب الشرعي، كما أثبتته في كل المجالات الأخرى، وبالنسبة لي فقد تقلدت عدة مناصب في الطب الشرعي منها الأمين العام للرابطة العربية للطب الشرعي والسموم التابعة لاتحاد الأطباء العرب، ورئيسة أكاديمية البحر المتوسط للعلوم الطبية والشرعية، وهي أكاديمية عالمية في مجال الطب الشرعي، كما كنت أول سيدة تتقلد هذا المنصب في الطب الشرعي، كما تم اختياري كعضو في المجلس الاستشاري للطب الشرعي للمحكمة الجنائية الدولية والتي تضم 15 عضوا فقط حول العالم، وأمثل منطقة الشرق الأوسط في هذا المجلس الاستشاري بالمحكمة الجنائية الدولية، ومن خلال تلك المناصب التي أتقلدها تعاملت مع الخبرات الدولية المختلفة في مجال الطب الشرعي والاطلاع على المستجدات، ثم أقوم بنقل ما اكتسبته من خبرات ومعارف جديدة لتطوير الأداء فيما يتعلق بالعلوم الطبية الشرعية.

*وما المجال التي ألقيت الضوء عليه، وركزت اهتمامك به فيما يتعلق بالطب الشرعي ؟
اهتمامي الأكبر بقضايا العنف بشكل عام، والعنف الأسري بشكل خاص، وبدأنا عن طريق التعامل مع الهيئات العالمية مثل هيئة الأمم المتحدة بعمل دليل طبي لتسهيل عملية الكشف والتوثيق لحالات العنف ضد المرأة، التي تتعرض لحالات تحرش جنسي أو اعتداءات جنسية، بالإضافة إلى الاشتراك مع منظمة الصليب الأحمر العالمية لوضع دليل طبي للتعامل حول دور الطب الشرعي والأطباء في وقت الأزمات، والاضطرابات والتوترات الدولية والعربية، بجانب بروتوكول تعاون بين كلية الطب جامعة القاهرة، ومعهد الطب الشرعي في جامعة هامبورج بألمانيا، فيما يتعلق بالعنف الأسري، وبموجب تلك الاتفاقية يتم تنظيم عدة مؤتمرات مشتركة سنويا بين الجانب المصري والألماني لبحث طرق التشخيص والتعامل مع ضحايا العنف الأسري من كل الجوانب الأمنية والقانونية، والطبية الشرعية والنفسية وكذلك المجتمعية.

*وكطبيبة شرعية متخصصة في مجال العنف الأسري، ما النتائج التي قمت برصدها في هذا المجال ؟
وجدت أن العنف الأسري يشمل العنف ضد الأطفال، والعنف ضد المرأة، والعنف ضد كبار السن، وبالنسبة للمرأة فتتعرض لعنف من خلال التحرش أو الاعتداء الجنسي، أو عنف أسري من خلال تعرضها للاعتداءات اللفظية أو الجسدية من الزوج أو الأب أو زوج الأم وما إلى ذلك، وقمنا بوضع دليل طبي استرشادي للمرأة التي تتعرض للعنف بشأن كيفية تبليغ الجهات المعنية لما تتعرض له من عنف، حيث إن الحالات المبلغ عنها من قبل سيدات تعرضن للعنف قليلة جدا بالمقارنة بالحالات المسكوت عنها، ودور الطبيب الشرعي هنا أنه عندما يجد امرأة تتعرض بصورة ممنهجة للضرب يوجهها إلى الهيئات والجهات المعنية سواء كانت حكومية أو منظمات مجتمع مدني لمساعدتها في التعامل مع العنف الموجه ضدها.

*وبالنسبة للعنف ضد الأطفال ؟
تم وضع دليل استرشادي في كيفية التعامل مع الأهالي الذين يقومون باستعمال العنف مع أبنائهم مما يحولهم بعد ذلك إلى قنبلة موقوتة داخل المجتمع، بعد الآثار النفسية السلبية التي تصيبه إزاء هذا العنف، فضلا عن معرفة كيفية التعامل مع الأطفال، وكذلك أطفال الشوارع، واستغلالهم بصورة إيجابية، وعدم تعرضهم للوقوع في يد من يقوم باستغلالهم في الجرائم أو في السياسة.
أما كبار السن، فوجدت أن هناك عنفا يمارس ضدهم من خلال عدم اهتمام الأبناء بالآباء وتجاهلهم، بالإضافة إلى وجود حالات يقتل فيها الابن أباه أو أمه لرغبته في الحصول على أموال بسبب إدمانه، ورغم ذلك فالعنف ضد كبار السن لم يصبح ظاهرة في مجتمعنا، عكس المجتمعات الغربية، والتي يوجد فيها عنف ضد كبار السن بشكل متزايد، وصل إلى درجة وفاة الأب والأم في المنزل دون علم أبنائهما، حتى تفوح رائحة جثتيهما من داخل المنزل لعدم قيام أحد بزيارتهما لفترات طويلة.

*كيف تقيمين أداء المرأة المصرية التي تقلدت منصب كبير الأطباء الشرعيين مثل الدكتورة ماجدة القرضاوي ؟
هناك أكثر من طبيبة شرعية تقلدت منصب كبير الأطباء الشرعيين ورئيس مصلحة الطب الشرعي، وآخرهن الدكتورة ماجدة القرضاوي، وكان جميعهن لهن دور محمود في إدارة قطاع الطب الشرعي، وهو أكبر قطاع يتبع وزارة العدل.

*وما رأيك في تبعية الطب الشرعي لوزارة العدل ؟
أنا أفضل فصل تبعية الطب الشرعي عن وزارة العدل، وأن تكون له ميزانية مستقلة مخصصة من الدولة تختص بتطوير الطب الشرعي، ومعامله وأدواته، فضلا عن تحسين أجور الأطباء الشرعيين، مما يكون له مردود إيجابي على الأداء المهني.
الجريدة الرسمية