رئيس التحرير
عصام كامل

كلام في الدين !


الفارق بين العقوبة الشرعية والعقوبة الدنيوية، أن الأولى لا يجوز إيقافها أو تبديلها، لأنها أمر رباني، بينما الثانية يجوز تعديلها وتبديلها، وإيقافها، لأنها ليست أمرا من الله.. ولا واجبا دينيا.


والقرآن الكريم، لم ينص صراحة على رجم الزانى المحصن مثلا. والنبي (صلى الله عليه وسلم) لم يرجم إلا مرات لم تتعدى أصابع اليد الواحدة، منذ بعثته، حتى وفاته. إضافة إلى أنه (ص) رجم تعزيرا، يعنى اجتهادا، قبل نزول الآية الكريمة: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة".

لذلك، يقف فقهاء محدثون، في عقوبة زنا المتزوج الدينية بين رأيين. الأول يقول بالرجم، رغم عدم النص عليه صراحة في القرآن الكريم. بينما يرى الرأى الآخر، أن الجلد هو الحد الشرعى، لثبوته بنص القرآن.

ويستند أصحاب الرأى بوجوب الرجم،إلى حديث عبادة بن الصامت عن الرسول (ص) حيث قال: "خذوا عني لقد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام.. والثيب بالثيب جلد مائة والرجم بالحجارة". ويقولون إن النبى ( ص) قد رجم، فيما يعرف بحديث العسيف، وحديث "أنس" وما رواه أبو هريرة من حديث ماعز وما رواه سليمان بن بريدة من حديث الغامدية.

وفى المحلى، والجامع لأحكام القرآن للقرطبى، أن بعض الفقهاء يستندون في عقوبة الرجم إلى نص قرآني، يقولون إنه نزل وقرئ به، إلا أن نساخ القرآن لم يدونوه، فلم يثبت باللفظ، وبقى حكمه في الآية المنسوخة: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم"!

في المقابل، يرفض آخرون اعتبار عقوبة الرجم أمرا شرعيا، أو معلوما من الدين بالضرورة. فإذا رأى ولى الأمر تطبيقه لصلاح المجتمع، فيجب أن يعلم الرعية، أنه أمر بذلك اجتهادا.. كعقوبة دنيوية، لا باعتباره أمرا دينيا.

ويستند هؤلاء إلى عدة حجج. أولها أن ورود آية الجلد في الزنا (عامة) في القرآن الكريم، يعنى أنها تشمل البكر والثيب، لأنها تشمل كل الزناة من المسلمين. وأنه لا يجوز تخصيص ما جاء في الآيات القرآنية الثابتة بطريق القطع، بأحاديث نبوية جاءت بطريق الآحاد، تقر بالرجم.

فالمنسوب للنبى (ص) من حديث في الموضوع كلها آحاد. أي لم تبلغ درجة التواتر، أو الاتفاق، لذلك، لا يجوز الاعتماد عليها في التشريع، أو إقرار العقوبات في الإسلام.

حتى مع افتراض تواتر تلك الأحاديث، فإنها رغم التواتر، تظل "سُنة "، أو اجتهاد نبوى. والاجتهاد النبوى، لا ينسخ القرآن، ولا يغير في حدوده. فالسنة تبين، وتشرح، وتفهمنا ما جاء في كتاب الله، بكلام الرسول ( ص ) نفسه.

وقد روى عنه (ص) قوله: "إذا روى عنى حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فاقبلوه، وما خالفه فردوه ". ولو عرضنا سنة رجم الزانى المحصن ( المتزوج ) على كتاب الله لخالفته. والقاعدة الفقهية، أن السنة تنشئ الشعائر في العبادات.. لكنها لا تنشئ الأحكام في الحدود.
الجريدة الرسمية