رئيس التحرير
عصام كامل

دريد لحام.. مات!


أمام Facebook كالعادة، فجأة انتشر خبر وفاة الفنان الشهير (دريد لحام)، الكُل يُشارك الخبر مُعيدًا نشره على صفحته بإلحاح وتناحة مُنقطعة النظير، الجميع يترحَّم على الرجُل، ذاكرًا محاسنه التي لا تُعَد ولا تذكر، حتى لو لم يكُن قد شاهد له فيلمًا واحدًا، ولا حتى مقطعًا على Youtube، عندما يصير المرء فجأة في مرتبة الأنبياء والقديسين، لا أتحدث عن (دريد) بعينه، لكنها قاعدة عامة، نعمل بها جميعًا باستثناء الجماعة اللى متتسماش: اذكروا محاسن موتاكم، لدرجة إن لو مكانش عندهم محاسن (بعيدًا عن لحام أُكرر) فإننا نخترع لهم أو ننبش بمُنكاش عن أية محاسن، حتى نترحَّم عليهم!


بعض الناس قام بتغيير صورة بروفايله لوجه الفنان الراحل (أو الذي أُعلِن عن رحيله)، والبعض الآخر نعاه بالكتابة شعرًا ونثرًا وزجلًا ومقالًا، ووضع Emotions تبكى بالدموع، وبعد ثوانٍ بدأت أخبار أكثر حداثة أو أولوية تتواتر، ورجع الناس للحديث عن خسارة الأهلي من الرجاء، والوظيفة المُناسبة لـ(حُسام) و(إبراهيم) بعدما أصبحا عاطلين عن العمل!

وفجأة تدخَّل أحد الأصدقاء ليُعلن أن (دريد لحام) لم يمُت، وقال: إن زميلة صحفية اتصلت بالرجُل مُباشرةً، وتأكدت من عدم صحة الخبر، سألت صديقى: يعنى هي اتصلت بيه علشان تسأله حضرتك عايش وللا ميِّت؟ دى لازم يكون قلبها جامد أوى علشان تتجرَّأ وتعمل العملة دى، ضحك صديقى، مش عارف بسبب تعليقى أم بسبب خبر بقاء الفنان السورى على وجه الأرض، وبصراحة مش عارف في زمننا هذا، المفروض نفرح للشخص (أي شخص) إنه عايش، وللا إنه مات، المُهم صديقى رد علىَّ مُصدقًا على كلامى وقائلًا: فعلًا صعب جدًا إنك تتصل بواحد علشان تتأكد منه شخصيًا إذا كان صحة خبر وفاته سليم أو لأ، فكان تعليقى الأخير له: فعلًا.. خصوصًا لو رَد عليك، وقال لك إن الخبر صحيح!

نرجع لمحاسن أمواتنا، عليهم رحمة الله جميعًا، وكُنت قُلت لك ـ لو تفتكر ـ في الفقرة الأولى إن باستثناء الجماعة اللى متتسماش، والتي لا تذكُر محاسن الأموات، ولا تضع لحُرمة الموت ولا لأحزانه تقديرًا ولا احترامًا، طالما الميِّت لم يكُن من ضمن قطيع الجماعة، أو مواليًا لها، ولنا في شماتتهم في الفنان الراحل (خالد صالح) مثلًا مؤخرًا وليس أخيرًا، عندما أعلن قطعانهم الفرحة والشماتة في موته لأنه شارك في ثورة 30 يونيو، وكأن الموت ـ لغبائهم وحماقتهم ـ عقاب إلهى لا يُصيب إلا السيئين من البشر، وكأن الأخيار والأنبياء لا يموتون.. لكن تقول إيه؟ هكذا حال الجنس الضانى من البشر!

المُهم أن التجربة مُثيرة ورائعة بالفعل، ولو كُنت مكان (دريد لحام) لتغاضيت عن نفى الخبر سريعًا، ولتركت الجميع يذكُر محاسن ومآثر كانت عندى ولم تكُن، ولاستمتعت بشهادات الحق في حقى، حتى لو كانت مُبالغة أو تتخطى حدود الصدق والحق نفسه، يا سلام، فلان كان زعلان منى بس كان ناوى يصالحنى ويبوس راسى، يا عينى، علاَّن يعترف الآن بعبقريتى، وبأننى كُنت على صواب، وأنه كان أحمق عندما عارضنى، يا دين النبى اسمها إيه كانت ناوية تعزمنى على الغدا عند (أبو شقرة) بس (عزرائيل) سبقها.. طيب أنا موجود، و(أبو شقرة) مش بعيد.. هكذا تكون العودة من الموت، عودة تليق بالشخص، بعدما استمتع بالتعرُّف على محاسنه ومحاسن الجيران والبلديات، ورفعوه خلال لحظات لعنان السماء، حيًا لا ميتًا!

عزيزى (دريد لحام) الفكرة جميلة، خلينا نعترف أنك تسرَّعت في إعلان بقائك في عالمنا، ودعنى أدعوك للتعاون بخصوص سيناريو فيلم يكتبه العبد لله عن هذا الموضوع، وسأنتظر ردَّك بالموافقة، وأرجو أن يأتينى قبل أن أموت، فأنت تعلم جيدًا ـ وعن تجربة قصيرة مبتسرة ـ إن الإنسان بعد ما يموت أكيد مش بيعرف يكتب سيناريوهات، لكن أكيد ـ بعد وفاته ـ الناس كُلَّها هاتقول إنه كان أحسن من (أسامة أنور عُكاشة) و(وحيد حامد) وإن كان دمه خفيف أكتر من (عادل إمام) و(دريد لحام) ذات نفسه كمان!
الجريدة الرسمية