رئيس التحرير
عصام كامل

الرواية.. وتحرير المجتمع

فيتو

يعد كتاب( الرواية.. وتحرير المجتمع ) للدكتور: أماني فؤاد من أهم الكتب المعاصرة في ميدان النقد الأدبي الحديث، لفرادة منهجه ورؤيته التنظيرية والتطبيقية، بدءا من تصوره لبنية التقنية الروائية باعتبارها البنية المنتجة لجمالية النص ودلالته العميقة منصهرين، ومرورا بأدوات الممارسة النقدية المعنية بقراءة النص وتحليله، ووصولا إلى التأويل وإنتاج القيمة الفنية.


لقد عانت القراءة الأدبية طويلا – ومازالت – من فجوة كبيرة بين التنظير والتطبيق، وتوجهات الدراسات النقدية التي تشظت بين الدراسات المباشرة والمسطحة التي تكتفي بالشرح والتفسير في ممارسة نمطية مكررة، لا تصل لجوهر الإبداع الفني والفكري، وبين استعارة المصطلح النقدي الغربي وفرضه قسرا على الأدب العربي، الذي يتمتع بخصوصية إبداعية تحتمها روح الثقافة العربية وجماليات لغتها المغايرة لما سواها.. وثمة اتجاه ثالث تقوقع في ماضوية تراثية تتجه لإلباس القديم ثوب النقد الحداثي تعسفا، ولا يستطيع أن يواكب حركة الإبداع التي تميل بطبيعتها للتمرد والثورية والتجديد.


وكعادتها في تبني الثورية الإبداعية، حاولت المؤلفة في كتابها تخطي هذه العقبات التي تحول بين المتلقي وتذوق العمل الأدبي، ومواجهة النص الأدبي نقديا بمنطق إنساني جديد، وتقديم رؤية جديدة للنص الروائي المعاصر، واستدعاء وسائل معالجة فنية خاصة ولصيقة برؤيتها للمشهد الأدبي، تتجاوز نمطية النقد التقليدي، وتنتقل به من كونه شرحا وتفسيرا إلى فلسفة النقد التي تعد إبداعا موازيا يثري المتلقي بفهم أعمق لطبيعة الوثيقة الأدبية التي تستبطن إمكاناتها الفكرية من خلال تقنياتها الفنية، وذلك من خلال أربعة مباحث أدبية: استغرقت بالتحليل الأدبي ست عشرة رواية مصرية معاصرة، تناولت في المبحث الأول ( التقنية الأدبية وسؤال الدين)، حيث تتبعت تجليات الخطاب الديني في الرواية المصرية المعاصرة ورصدت لأشكال معالجة المقدس وتفكيكه للموروث الوجداني المستقر، وانعكاسه على صياغة المفاهيم المجتمعية ثقافيا وسياسيا واجتماعيا.


وفي المبحث الثاني ( التقنية وسؤال الواقع الافتراضي والفانتازيا ) تناولت أثر الثقافة الإلكترونية والإنترنت على الإنسان وفاعلية حضوره في فن الرواية، ثم رصدت لأشكال الفانتازيا كاتجاه فني تعتمده الكتابة الروائية في تلونه وتنوع فيوضاته الأدبية بين الفانتازيا الذهنية، والواقعية السحرية، والغرائبية، لنصوص فنية توظف الخيال في إنتاج تصوراتها عن العالم، وتستعيض بالرمز والخرافة في صياغة غير تقريرية للوجود.

ثم تتناول في المبحث الثالث ( التقنية وسؤال التاريخ ) العلاقة الجدلية بين الفن الروائي باعتباره تاريخا تخييليا للحظة ما من الزمن تجسدها الكتابة الروائية، والتاريخ الموضوعي الحقيقي طرفي صراع، يتمثلهما فعل الإبداع وتجاوزاته وإزاحته لفرض روحه المتمردة، الطامحة للتجديد؛ لكسر تقريرية الوجود التاريخي والخروج على فقهيته وإنتاج واقع جديد، وحضور دينامي للوعي يتجاوز استبداد الراسخ والمقدس المغلوط والمزيف المدون وثبوتية الموروث.

- وفي المبحث الأخير ( التقنية وسؤال اللغة ) تعرض الناقدة لمستويات اللغة الأدبية داخل النص الروائي، وترصد لتنوعات التوظيف اللغوي في الحداثة العليا، وتجاوز اللغة الروائية ذاتها المعجمية، وجنوحها للانفصام عن الموروث، ورغبتها في التجريب والتجدد وابتكار فقهها الخاص.
الجريدة الرسمية