رئيس التحرير
عصام كامل

استراتيجية شد الأطراف العربية وبترها


تتعرض المنطقة العربية لأعنف مرحلة من مراحل إعادة ترسيم المنطقة وتقسيمها أو بمعنى أدق "تفتيتها"، وفقا للمخطط الذي وضعه برنارد لويس وبتكليف من الإدارة الأمريكية عام 1980، لتحويل المنطقة العربية إلى دويلات صغيرة يسهل السيطرة عليها، وضمان عدم تصديرها للموجات الإرهابية للغرب، وفق هذه الرؤية.

وينتهج مخطط تقسيم المنطقة العربية استراتيجية "شد الأطراف وبترها" من خلال إثارة الخلافات والنعرات الطائفية وإشعال الحروب بين مكونات الدول العربية، وتمويل تلك الحروب ومساندة الأطراف المختلفة لضمان استحالة العيش في سلام وبالتالي اللجوء إلى التقسيم الجغرافي ومن ثم التقسيم السياسي.

ولأنه من المعروف أن أضعف أجزاء الجسم هي الأطراف، فإن مخطط تفتيت المنطقة العربية يقوم على استهداف أطراف الوطن العربي، خاصة بما تمتلكه من تنوع قومي وديني ومذهبي ومن ثم محاصرة القلب "المملكة العربية السعودية ومصر" بالنزاعات والانقسامات حتى يسهل التعامل معهم في مرحلة لاحقة، وقد كان تنفيذ هذا المخطط بالسودان تجربة عملية على ذلك، وثبت نجاحه بتقسيم السودان إلى دولتين.

ويعد تنظيم داعش في العراق وسوريا، والحوثيون في اليمن اللاعب الرئيس لتنفيذ استراتيجية "شد الأطراف العربية وبترها" والتي تستهدف أولا المشرق العربي، وتنظيم داعش يلعب نفس الدور الذي كان يلعبه تنظيم القاعدة سابقا، وأسس التنظيم في العراق في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 ليقوم بمهمة محددة في شمال الجزيرة العربية ليحقق التوازن السني مع الشيعة والأكراد، ويحكم سيطرته على المناطق السنية، فيما يحكم الأكراد والشيعة كلا منهما سيطرته على مناطقه.

وشهدت العراق وسوريا عمليات تطهير عرقي، فصارت هناك مناطق سنية بالكامل وأخرى شيعية بالكامل وثالثة كردية بالكامل، ورابعة علوية، وخامسة مسيحية، والبقية تأتي، وصارت دول الخليج تواجه فزاعتين من الشمال الشيعة وتهديداتهم لدول الخليج السنية وداعش كتنظيم إرهابي يملك أجندة توسعية.

نفس المهمة يقوم بها الحوثيون في جنوب الجزيرة العربية، لتجد المملكة العربية السعودية على وجه التحديد ودول الخليج بشكل عام نفسها محاصرة بين فكي الرحى والمد الشيعي الذي يستهدف المنطقة، حيث من المعروف الدعم الإيراني غير المحدود للحوثيين في صراعهم على السلطة في اليمن.

وبعد سيطرة الحوثيين على اليمن شماله وجنوبه، ينتظر اليمن سيناريو مماثلا لما يجري في العراق وسوريا، وهو أن تقوم دول الخليج بتمويل جماعات سنية مضادة لتحقيق التوازن وإفشال سيطرة الحوثيين على اليمن بالكامل، وبالتالي الدخول مجددا في حرب أهلية جديدة يترتب عليه عودة اليمن إلى سابق عهده كدولتين شمالا وجنوبا، يسيطر على الأخيرة الشيعة وبالتالي يحكمون سيطرتهم على باب المندب، وهو الأخطر لدول المنطقة، وتستطيع إيران من خلاله الضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل.

أما البديل الآخر، أن تغض الولايات المتحدة الطرف عن سيطرة الحوثيين على اليمن ودعم إيران لهم ليبقى الحوثيون مصدر تهديد دائم للمملكة العربية السعودية، ويشاركون في التسريع من وتيرة تقسيم المنطقة.

كل ذلك يوضح ويفسر الاهتمام الكبير والجهد الذي تبذله دول الخليج خاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية السعودية والكويت فيما يجري بالعراق وسوريا ورغبتهم في إنهاء الوضع المتأزم هناك لفك ذلك الحصار المخطط فرضه عليهم.
والمطلوب حاليا وبأقصى سرعة صياغة استراتيجية عربية لإحباط هذا المخطط الغربي لتفتيت المنطقة، ومواجهة استراتيجية "شد الأطراف العربية وبترها".
الجريدة الرسمية