رئيس التحرير
عصام كامل

منظومة نقل للقرى النائية في الصعيد!


ربما يكون سبب ابتعاد الدولة عن تنمية الصعيد وتهميشه، اعتقادها أن هذه التنمية تحتاج لمليارات طائلة، ونظريا هذا الكلام صحيح، وهذه دائما مشكلة الاستعانة بمن هو ليس من أهل المكان في محاولة تقديم الحلول، لكن من عاش المعاناة ويعرف أبعادها ستكون لديه آراء مختلفة، إذا ما فكرت الدولة بأن يكون هناك لجنة أو مفوضية أو حتى نائب لرئيس الوزراء لشئون الصعيد وتنميته، فعليها أن تختاره من أهل الصعيد نفسه، وممن لديهم القدرة على تقديم الحلول والمقترحات، وكم أتمنى أن يكون الصعيد مستحقا لنسبة تمثيل في كل وزارة، فيكون هناك من يمكن اللجوء له في معرفة خبايا وسبل تخفيف المعاناة عن هذا المجهول النائي، شريطة أن يكون من سيتم اختياره من المقيمين بين الأهالي في الصعيد، وليس ممن حملوا «بهجتهم» على كتفهم وغادروا الصعيد تأففا أو هروبا.


على أي حال، أقدم هنا مقترحا بسيط التكلفة، شديد التأثير على تحسين واقع الصعيد، ويسهم أيضا في محاربة الإرهاب والتطرف والجهل، هذا الحل بمنتهى البساطة، توفير خط سير مستمر من الساعة الخامسة صباحا، حتى منتصف الليل، من سيارات الأجرة إلى كل قرى الصعيد النائية، ولا تتعجبوا من الفكرة، ففي الصعيد، هناك قرى إذا كنت ترغب في الذهاب إليها، وتأخرت عن العاشرة صباحا؛ فلن تستطيع الوصول إليها، أو لو كنت في زيارة لصديقك مثلا وفاتتك سيارة العودة، فستبيت بهذه القرية لليوم الثاني.

مثل هذه القرى شحيحة المواصلات هي التي ستسمع عنها الخرافات من جان يحرق منازل، وهي التي ستجد منها أغلب المتشددين والثأر وتجارة المخدرات وغيرها من المشكلات، لأنها ببساطة قد صارت معزولة، يصحون أهلها مع أذان الفجر يركبون مع أول ضوء السيارة لكي يهبطوا لأقرب مدينة يتحصلون منها على احتياجاتهم، ثم يغادرون مع العاشرة صباحا أو الثانية عشرة ظهرا على أقصى تقدير، ثم تنقطع بهم السبل عن العالم بعد ذلك إلا من المواصلات المخصوصة التي تطلب أجرة مضاعفة خمسة أو ستة مرات، فضلا عن احتمال التعرض للخطر في الطرق المهجورة من المسير فيها.

كيف يمكن للدولة أن توفر هذه المواصلات دون أن تتحمل مليما واحدا؟ ببساطة أيضا، تقوم بعمل جدول من خلال شيوخ المواقف بأرقام السيارات بحيث تتحمل كل سيارة مرة في الأسبوع المشاركة في الذهاب لهذه القرية، على أن يكون موعد خروج السيارات على رأس الساعة، كل ساعة يقوم المرور بتسيير سيارة لهذه القرى، وعلى قائد السيارة أن يقوم بذلك سواء كان هناك ركاب في هذا التوقيت أم لا، وفي المقابل، سينتظر في موقف مخصص في هذه القرية لمدة الساعة، حتى إذا ما جاءت السيارة الثانية، يغادر هو ناحية المدينة، وانتهى دوره.

بماذا سيفيد هذا الصنيع؟ أولا: مع مرور الوقت، وعندما يطمئن أهالي هذه القرى بأن المواصلات متوفرة، سينزلون في أي وقت للمدينة لشراء احتياجاتهم، أو لزيارة طبيب أو غيره، وفضلا عن كون هذا يخفف المعاناة عنهم، فإنه أيضا رواج اقتصادي، من ناحية ثانية، سيفك حالة العزلة والانغلاق الفكري عن هذه المدن، التي يشعر كل من يعيش فيها بأنه يعيش في منفى، من ناحية ثالثة، مع الحركة على هذه الطرق سيختفي منها اللصوص وقطاع الطرق وتجار المخدرات، وتجار المتعة الحرام، من ناحية رابعة، سيُشْعِر هذا جميع المواطنين أن الدولة تضع جميع أبنائها في اهتماماتها وتعمل على توفير حلول لهم، من ناحية خامسة، سيكون هذا سببا في زيادة نسب تعليم المرأة التي يحجم أهالي بعض القرى عن تعليم بناتهم خوفا عليهم من استعمال المواصلات في أوقات متأخرة.

كثيرة هي الحلول التي يمكن أن تغير حال الصعيد دون أن تكلف الدولة مليما واحدا، فقط ترتيب وتنظيم واستغلال لما هو متاح، وإدخال أهل الصعيد أنفسهم في دائرة صنع القرار والتخطيط لواقعهم، والصعيد ممتلئ بخيرة من الشباب قادرة على أن تقدم مقترحات وحلولا تصنع المعجزات.
الجريدة الرسمية
عاجل