رئيس التحرير
عصام كامل

عشوائية مواجهة العشوائيات


مشكلة العشوائيات ليست مشكلة عمرانية خالصة كما يتم التعامل معها الآن، بل هي إفرازٌ نهائى لتوجهات سياسية بدأت منذ عقود طويلة عمدت فيها الدولة لدعم الطبقات الدنيا والمهمشة في المجتمع على حساب باقى طبقاته لتحيف عليها، ودعمت توجهاتها الثقافية والاجتماعية المتدنية على أساس اعتمادها السياسي على تلك الطبقات لتغيير المنظومة الاجتماعية في مصر منذ أوائل الخمسينيات من القرن الماضى.


فهى إشكالية سياسية قديمة لا زالت جوانبها مستعرة حتى الآن تظهر في قضايا الدعم وتدهور الثقافة والأخلاق والإنتاج، وجاملت الدولة تلك الطبقات بمجانية التعليم وفتحت لهم التوظيف في إدارات الدولة حتى أتخمت مصر بجهاز إدارى غير مسبوق في حجمه وتدنى أدائه، وصاحب ذلك إهمال تنمية القرية المصرية بعد أن داهنت الدولة الفلاح بتوزيع بعض الأراضى عليه وألقته بعد ذلك في غيابات الترك والنسيان، ومع هجره لأرضه وتوجهه لدول النفط عاد ليرسم أولى لبنات العشوائيات الخرسانية القبيحة في القرية لابتعاد الدولة عن إرشاده وغياب رقابة التخطيط الحضرى، ودفع بها في واقع كئيب فلا هي تمدنت ولا عادت قرية كما كانت على مستوى المفهوم العمرانى، ثم صَدَّرَ نفس ذلك المسخ المشوه إلى أطراف المدن بعد أن لفظت القرى ما فيها من النمو السكانى المطرد ليصب في وعاء الواقع العمرانى للمدينة لتصيبه بفيروس العشوائية المدمر.

إصلاح الفراغ العمرانى يجب أن يتوافق معه إصلاح سياسي تتوقف فيه الدولة عن مداهنة تلك الطبقات التي أفسدت المجتمع، ويكون مقترنًا بتغييرٍ جذرى للإدارات الهندسية في المدن والمحليات وتطهيرها من الفساد وإسناد العمل فيها للكفاءات الهندسية المعتبرة صاحبة الخبرة والنزاهة، وتوفير الكوادر المالية المتناسبة مع تلك الخبرات مقابل تفرغها للإشراف عليها.

أما أن نعتبر العشوائيات مشكلة عمرانية خالصة تنتظر حلولًا عمرانية فقط فإننا نكرر ثانيةً مهزلة جهاز التنسيق الحضارى! أو جهاز دهان واجهات العمارات بفرشة جير!
الجريدة الرسمية