رئيس التحرير
عصام كامل

السيد وزير الداخلية.. طهّر بيتك من الفاسدين!


كان اللواء رءوف المناوى -عليه رحمة الله- أول من ابتدع مصطلح «الإعلام الأمني»، وهو رغم كونه مصطلحا أجوف لامعنى له إلا أن الراحل استطاع تسويقه عبر الميديا بشكل جعله واقعا مزيفا، أوضح من الواقع الحقيقى وظل يمارس مهمته في التسويق لوزارة الداخلية واختار له نخبة من الضباط الأكْفاء يعملون تحت إمرته.. نجح الجهاز فيما خطط له من تواصل مع الإعلام وصل أحيانا إلى حد تكفين الخبر تحت شعار «إكرام الخبر الحقيقى دفنه».


حقق الرجل إنجازات لايمكن إنكارها وسقط كثيرا دون أن ننكر سقطاته المدوية، خاصة أيام الإرهاب الأسود والإعلان اليومى عن سقوط مجرمين أرادوا النيل من الوطن، ثم نكتشف بعد ذلك أن من سقطوا قتلى عادوا للحياة.. المهم أن الرجل كان مخلصا لرسالته.. ومن بين الحكايات المثيرة التي ملأت الدفاتر المشينة عندما كتب الزميل الكاتب الصحفى سليمان الحكيم مقالا ينتقد فيه الجهاز الأمني، ولم يفطن المناوى ورجاله إلى حقيقة الأمر، فأرسلوا ردا للصحيفة التي كتب فيها سليمان مقاله وكان الرد صاعقة.. حيث أكد أن المذكور «مسجل خطر» وأنه اعتاد ممارسة إجرامه وفرض إتاوات على البسطاء وأن سجله حافل بالجرائم، الطريف أن من يعرف سليمان الحكيم ببنيته النحيفة يتذكر قول الشاعر «كفى بجسمى نحولا أننى رجل... لولا مخاطبتى إياك لم ترنى».. ولن أذكر كيف تحولت مهمة المناوى في ذلك الوقت إلى مهمة إنقاذ لجهازه مطالبا بعدم نشر الرد والاعتذار لسليمان الحكيم!!

رحل الرجل وبقى جهاز الإعلام الأمني وتطور أداؤه عبر النخبة المنتقاة من الضباط وحاول نفس الجهاز مقاومة حملات التشويه وحملات الحقيقة في ذات الوقت، فاختلطت عليه الأمور، وتصور أن دوره تبييض سمعة الوزارة تحت شعار «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» مع اختلاف التفسير طبعا.

وظل الجهاز الأمني الذي يزخر بكفاءات نادرة يعانى من ويلات سقوط بعض أفراده في قضايا فساد، لم يكن صعبا على المواطن البسيط أن يتجاهلها وهو الذي يعيش وقائعها يوميا، فكانت النتيجة ثورة ٢٥ يناير التي جاءت في بدايتها مطالبة بإقالة وزير الداخلية ثم «كبرت في دماغ الثوار»، وقالوا رئيس الوزراء ورئيس مصر كلها، وكان الشعار الصادق «كرامة إنسانية» هو الأعلى قيمة بين الشعارات.

استغلت جماعة الإخوان الإرهابية غضبة الجماهير واعتلت الموجة الثورية وأدارت دفتها إلى حيث تريد.. واستفاق الشعب فأسقط الجميع.. جميع المتاجرين، وكانت ثورة التصحيح في ٣٠ يونيو التي أعادت الجهاز الأمني إلى حضن الشعب، وأعادت الأمور إلى نصابها وأحاطت جيشها بسياج شعبى استحال على المتآمرين النيل منه.

شرفاء الجهاز الأمني أدركوا أن شيئا ما تغير وأن الشعب الذي ثار لحماية جيشه وشرطته لم يفعل ذلك دون شروط، وأن شعبا بهذه العظمة يستحق جهازا أمنيا راقيا يحفظ حياته وممتلكاته ويؤدى دوره بشفافية تعد هي السياج الحامى لطرفى المعادلة الشعب والشرطة، غير أن الفاسدين ظلوا على عهدهم وزاد الطين بلة أن بعضهم تصور أنه عائد للانتقام ولم تفطن وزارة الداخلية إلى هذا الخطر، ووضعت مشروع إعادة الهيكلة في أدراج النسيان وتركت الفاسدين ينالون من دماء شهداء الشرطة قبل أن ينالوا من دماء البسطاء.

إن الخطر المحدق يفرض علينا أن نكون أصحاب كلمة تحفظ لمصر شرطتها وجيشها وتعيد الأمور إلى نصابها وتفرز «الغث من السمين» وتضع كل طرف أمام مسئولياته.. فضابط الشرطة الذي يعذب مواطنا ويسعى في الأرض فسادا هو الأخطر على الجهاز الأمني من الإرهابى الذي يحمل بندقية.

إن هؤلاء المتورطين في تلفيق القضايا هم الطابور الخامس الذي يعمل ضد الداخلية وضد الوطن بأكمله، فالشعب المصرى يخوض ملحمة وطنية في تاريخه بحصاره للإرهاب ومشاركته الفعالة ضد كل من تسول له نفسه النيل من الوطن ولن يرضى أبدا بالصمت، فقد أنتهى عصر الصمت وولى دون رجعة.

إن الخطر الداهم هو عدم تغير العقيدة الأمنية بعد ثورتين إحداهما أطاحت بالجهاز الأمني والأخرى استعادته غير أن هذه الاستعادة كانت مشروطة بمعايير تغيير واجبة النفاذ من قبل الجهاز الأمني، ففى الوقت الذي لاتزال فيه الذاكرة منتعشة بما تحمله عصور مضت أو تصورنا أنها مضت، فإن الأيام تعود مرة أخرى وبذات الطريقة.

جزء من القضية الأهم على الساحة هو حساسية الجهاز الأمني للنقد وكشف عوراته خاصة وأن عددا من السادة الضباط الذين يشرفون على الإعلام بوزارة الداخلية هم ميراث طبيعى لنظام حبيب العادلى بكل ثقافته وطريقته في التعاطى مع ما يطرحه الإعلام من كوارث تكاد الواحدة منها أن تسقط نظاما وليس وزارة.

قد يواجه الضابط خطر الموت في معارك وطنية ضد الإرهاب ولكنه يواجه ماهو أخطر من الموت إذا ما ابتلى جهازه بفاسدين خاصة قطاع أمناء الشرطة الذين عادت دولتهم أكثر بشاعة من مشاهد فيلم «هي فوضى» الذي اختزل آخر مناطق الانهيار في نظام مبارك في مشهد أمين شرطة فاسد، وذلك على سبيل الرمز.

يجب أن نعترف أن هناك أبطالا حقيقيين وهناك شهداء راحوا ولازالوا في سبيل هذا الوطن تفرض علينا دماؤهم وبطولاتهم أن نكون حريصين على تطهير الجهاز من فاسديه خاصة بعد أن سادت لغة الانتقام، وإخفاء المفرج عنهم بقرارات من النيابة والإفراج عن بعض المتهمين على الورق فقط، واستغلال عمليات الضبط في سرقة المواطنين والهجوم على البيوت فجرا مع عدم مراعاة حقوق الناس حتى لو كانوا بلطجية.. عاد كل شيء بنفس منطق الماضى وارتكاب الجرائم التي لا تقل خطرا عن جرائم البلطجية.. شيء ما يعيد الأمور إلى مناطق الصراع بين شعب احتضن جيشه وشرطته، وشرطة لا تزال تعانى من أمراض فتاكة.

إننى على يقين من حسن نوايا وزير الداخلية وإيمانه أن أمورا تغيرت ويجب معها أن تتغير العقيدة الأمنية.. ولكنى فقط أذكره بمسئولياته تجاه دماء الشهداء التي سالت ولاتزال من أجل إعلاء قيم الحقيقة والنور والأمان، وليس من المستساغ أن نتركها هكذا نهبا لفريق الفاسدين بالوزارة..
الجريدة الرسمية