رئيس التحرير
عصام كامل

ليست ثورات وليس ربيعًا عربيًّا

عبد الرحمن عباس
عبد الرحمن عباس

ما أقسى أن يعترف الإنسان بخطئه أو أنه شارك في جلب ضرر للبلاد أكثر منه منفعة حتى لو كان هذا الخطأ عن غير قصد، وهذا هو ما حدث فيما أسموها ثورات الربيع العربى التي لم تكن بكل المقاييس ثورة أو حتى ربيعا عربيا أكثر من كونه خريفا جلب لنا الدمار أكثر من دمارنا وسفك دمائنا وبقى أكثر آمالنا إن كانت لنا بصيرة أن نعود إلى ما قبل العام المنحوس 2011.

أعلم أن كلامى بكل المقاييس مش هيعجبك ربما تتهمنى بالانهزامى أو حتى كاره للثورة أو كل تلك الاتهامات الجاهزة عندك قبل أن أنطق بحرف لكن في علم السياسة لا يوجد شيء اسمه سوء قصد ومهما حاولنا تجميل الواقع فهو قادر على مواجهتنا بالحقيقة المرة انظر حولك فقط تعرف أين أنت وماذا حدث.

كانت اليمن دولة رغم فسادها ودكتاتوريتها وفقرها، لكنها كانت دولة أهلها يتكلمون لغة واحدة ولهم قانون ودستور واحد فبدلا من أن تكون ثورتهم لاستكمال الحرية عادت مرة أخرى ليكون كل آمالها أن تصبح دولة فأى ثورة تلك التي تعيدهم إلى الوراء، فالحوثيون يعملون ليل نهار من أجل الاستقلال تساعدهم في ذلك قوى خارجية من صميم عملها تقسيم الوطن العربى إلى دويلات.

أما ليبيا الجارة القريبة التي عاشت أكثر من أربعين عاما تحت قيادة دكتاتور مجنون يسمى معمر القذافى، هي الآن عبارة عن ساحة شعبية للاقتتال الشعبى ما بين طرابلس وبنغازى وقوات حفتر، كيف أصبحت ليبيا الآن مطارات مغلقة ودماء مهدرة وبترولا يسرق كل يوم ولا أحد يجيب!

ورغم أن الأسد قاوم تلك الانتفاضات بالقوة وباستخدام كل الأسلحة المحرمة حتى في الحروب ليبقى على كرسى الحكم كما جلس أبوه بعد مجازر ارتكبها لكن في ظل هذا الصراع خسرت سوريا مئات الموتى وآلاف الضحايا وملايين النازحين وتدمير بنية تحتية شملت مناطق أثرية لم يتوان بشار لحظة في قذفها بالإضافة إلى تنظيم داعش الذي يثير ذعر العالم بإعلانه الخلافة الإسلامية ليصبح لدينا ثلاثة خلفاء مسلمين في وقت واحدة أحدهم البغدادى والآخر الظواهرى وبوكو حرام في أفريقيا.

وتبقى تونس التي رغم استقرارها الظاهرى لكنها وقعت في براثن جماعة الإخوان التي ستحاول الاستحواذ عليها تماما كما حدث في مصر وهو ما تحاول الآن القوى اليسارية والليبرالية مقاومته.

أما في مصر ومع مرور 100 يوم على حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، فإنه حتى مع نجاح السيسي في حكمه فهو لم يكن في حال من الأحوال حلم أي فرد مصرى نزل في 18 يوما من أجل إزاحة نظام مبارك.

وإذا كان نتيجة الربيع العربى دولتين انقسمتا وأخرى تقاوم ورابعة على صفيح خامس والأخيرة عادت كما كانت، يبقى أن نسأل عن السبب وإذا كانت هناك أسباب كثيرة منها استغلال أطراف خارجية للأحداث وتوظيفها مثلما تفعل أمريكا مع الحوثيين وروسيا مع بشار والسعودية والإمارات مع مصر، ورغم أننا أمام شعب يعشق الخضوع أكثر من أي شيء آخر لكن لعل السبب الأساسى هو من قاموا بتلك الانتفاضات نفسها.

في خمسينات القرن الماضى وحينما كانت الانقلابات العسكرية هي السائدة ليتحول بعضها إلى ثورة أو تبقى انقلابا كان منفذوها يقضون السنوات في التخطيط لها والتركيز على النقاط الحيوية في الدولة رغم أنهم كانوا يملكون السلاح! بجانب البعد الخارجى وهو ما فعله عبد الناصر في إرساله رسائل تطمينية لسفارات بريطانيا وأمريكا أو كما فعل حافظ الأسد حينما أرسل إلى السوفييت يعلن فيه عن موقفه، بكل المقاييس كانوا يعرفون عدوهم أما نحن وأقصد جميع من شارك في انتفاضات 2011 ظن أنه يقابل نظاما غبيا أو نظاما بسيطا يستطيع أن يمحيه بمجرد تنحى رمزه لم يفطن شباب مصر أنهم يواجهون دولة لا يواجهون مبارك فقط ولم يدرك شباب سوريا أن بشار لن يمانع لحظة في سحقهم بالدبابات ولم تتفق ليبيا على ما بعد القذافى كلهم خرجوا ولا يعرفون!

ترك شباب مصر الحكم لمؤسسات مبارك التي أعادته بامتياز واحتكم شباب ليبيا للسلاح وصمم بشار على سحق معارضته واختار اليمن الانفصال، نعم تلك هي النتيجة رغم كل محاولات التجميل فلا يوجد عاقل يصدق أن تلك البلاد الآن أفضل مما سبق إن لم تكن الأسبق وذلك كله بفضل شباب ظن أن الثورة يوم وأن النضال هتاف وفى التاريخ لا مكان للأغبياء!
Advertisements
الجريدة الرسمية