رئيس التحرير
عصام كامل

مات سعيد صالح..وقاتله حرٌ طليق


نعم سعيد صالح مات مقتولا وأنا شاهد عيان.. وقاتله حرٌ طليق.. أحد اثنين ممن قاموا بعملية الاغتيال ودبروا لها.. والاخر
مات من شهور بعد أن ارتدي في نهايه حياته مسوح التوبة.. وإليكم التفاصيل كما شاهدتها بلا أي إضافة ولا حتى صياغة  أدبية أو صحفية.


ليلة من ليالي شتاء عام ١٩٨٣.. كان وقتها سعيد صالح واحد من أهم كواكب الكوميديا في الشرق. وقتها كنت طالبًا في العام الثاني بكلية الحقوق. ذهبت أنا وصديقي وزميل دراستي كالعادة إلى حي الحسين لنقضي الليلة في صحبة الأستاذ..الشاعر المتصعلك الذي يفتح بيته لكل الناس..تستطيع أن تدخل وتتعشي وتشرب الحشيش وتلعب ستميشن وتسمع الشعر دون أن يسألك أحد من أنت.. ينجذب إلى بيته كل ليلة طائفة من الفنانين والمثقفين.. في تلك الليلة كالعادة اصطففنا حول الطابلية في جولة الاستيميشن... أخبرنا الشاعر أن سعيد صالح قادم الليلة وسيحضر عادل إمام بعد نهاية عرض مسرحيته شاهد ماشفش حاجة.

كان بالجلسة طفل معاق تخرج الألفاظ من حنجرته خنفاء ويطلق السباب على كل من يراه.. يومها كان يدربه الشاعر على شرب الحشيش ويفاخر بأنه أصبح بلغة الحشاشين..يولع الحجر.. أي يشد النفس حتى يشتعل الحجر نارًا.. أطلق عليه الأستاذ يومها لقب المعلم كركور.. نسبة إلى صوت كركرة الشيشة... ساعة وحضر أحد فناني الكوميديا المعروفين الآن.. شارك كثيرًا في العديد من الأفلام وشارك أيضا سعيد صالح في مسرحياته فيما بعد.. حضر وبعده بساعة حضر سعيد صالح.

استقبله المعلم كركور بسيل من السباب بالأم والأب فضحك الأستاذ والكوميديان وغضب سعيد قليلًا لكنه تفهم الموقف بعد أن شرح له الأستاذ أنه طفل معاق وبدأ في عرض مهارات الطفل في تدخين الحشيش..ودارت الجوزة دورتها على الجميع.. بعدها أخرج الكوميديان لوحا زجاجيا صغيرا وبدأ يسطر عليه خطوط الهيروين وأعطاه لسعيد صالح الذي رفض تعاطيه فكانت على الفور وصلة من السخرية والاستهزاء من الأستاذ والكوميديان على سعيد صالح وأنه صاحب كيف وسخ ومالوش في النضيف.. وتحت ضغط الإلحاح شد سعيد صالح أول شدة هيروين في حياته... أصيب لحظتها بسعال حاد ودمعت عيناه وكثيرًا وتساقطت السوائل من أنفه فزادت السخرية منه فبطفولية ساذجة شد السطر الثاني وسقطت رأسه على الطبلية غائبًا عن الوعي لدقائق.

ساعتها نبه الأستاذ الشاعر المتصعلك على الكوميديان بالتكتم على الخبر وألا يتحدث أحد بكلمة عما حدث أمام عادل إمام.. وبعد أن أفاق سعيد صالح كانت رأسه ثقيله جدا فقرر المغادرة لكن الأستاذ طلب منه البقاء ليسمعه بعض أشعاره.. وبدأ في الإلقاء بينما سعيد صالح الأقرب إلى الغيبوبة ينقر على الطبلية بأصابعة.. وهنا كانت المفاجأة.

صرخ الشاعر كالملدوغ: إيه ده ؟؟؟ إيه اللي إنت عملته ده ؟؟؟ سيد درويش بيتولد النهارده في بيتي... كمل... كمل يا سعيد
لم نفهم ولم يفهم سعيد.. ولكن الشاعر أقنعه أنه موسيقار عبقري وأن النقر الذي كان ينقره على الطبلية وقت أن كان هو يلقي الشعر كان لحنًا عبقريًا.. وأعطاه ديوانه وطلب منه الحضور في اليوم التالي وبألحان كاملة لبعض القصائد.

وفي اليوم التالي كان في انتظاره لوح الهيروين ومجموعة من الصحفيين جمعهم الأستاذ ليبدءوا حملة صحفية تعلن أن سعيد صالح هو سيد درويش العصر..وليلتها أيضًا أعطاه نصًا مسرحيًا سياسيًا ليكون مسرحيته القادمة والتي ستشهد ميلاده السياسي والموسيقي..وقد كان..ربما تسألني يا عزيزي ولماذا فعلوا به ذلك وجعلوه مدمنًا وزيفوا عليه موهبة التلحين..أجيبك بأن سعيد في ذلك الوقت كان سوبر ستار الكوميديا في مصر وأن الأستاذ مدعي الثورة الدائم حتى وفاته كان يجيد تجنيد من يكون له بوقًا دون أن يدري... وتوالت مسرحيات سعيد السياسية.. وازداد الإدمان وتكرر السجن حتى انتهى النجم وأصبح بلا قيمة.

بعد أن أدى دوره من أجلهم دون أن يدري وانتهي به الأمر أن يتفضل عليه البعض بمنحه دور كومبارس في نهاية حياته ليموت دون أن يسير في جنازته أحد بعد أن كان ملء السمع والبصر.. أما قاتله الكوميديان الذي ناوله الهيروين عمدًا مع سبق الإصرار والترصد فمازال حيًا يتكسب من الكوميديا... قد تسألني لماذا أسرد هذه الواقعة الآن؟ أجيبك لأنني كنت استحي من أن أجرح مشاعر ضحية بحجم وقدر سعيد صالح.

وللعلم الشهود مازالوا على قيد الحياة حتى وإن مات الأستاذ المخطط... وللتذكرة أيضًا ليلتها حضر عادل إمام واصطحب معه في الصباح المعلم كركور الطفل المعاق إلى بورسعيد ليشتري له ملابس ومنحه نقود وتقمص شخصيته وطريقة نطقه للكلام الأخنف في فيلم الهلفوت.. أما المؤامرة فلم تنته وقتها ولكنها أعيدت بطرق أخرى مع نجوم كبار.. ربما يأتي الوقت قريبًا لذكر وقائعها معهم.. وهذه كلمتي لوجه الوطن.
الجريدة الرسمية