رئيس التحرير
عصام كامل

" يوميات حمار ".. واقع مرير بقلم ساخر

حمار
حمار

دائما ما تُغيب ظلمة الخداع شمس الحقيقة، وتظهر السخرية والضحكة كملجأ للهرب من واقع مرير مليئا بسكرات الوهم والوعود الذائفة، وتحول إلى ساحة من الحزن والكآبة، وهو ما تستشعره عند قراءة الكتاب الساخر " يوميات حمار "، للكاتب الراحل أحمد رجب.


في قالب ساخر وبطريقة فكاهية، رصد رجب بين طيات كتابة إسقاطات سياسية على واقع مرير يسيطر على المجتمع المصري والعربي عامة، ووصف حال الجميع من خلال مذكرات يكتبها المستشار " حمار".

تبدأ رحلة المستشار حمار بالبحث عن شقة لتجمعه مع محبوبته الحمارة، وبصعوبة بالغة يجدها في منزوية في إحدي الحارات، ولا تتخطي الغرفة الواحدة خالية من المطبخ، إلا أن جريان ترعة الماء من تحتها رغم أنها محاطة بالخضرة من كل ناحية، دفعهم لهجرها، بسبب الروائح الكريهة المنبعثة منها، والتي تبين للحمار وزوجته فيما بعد أن بنهايتها مواسير غليظة تلقى بماء مختلطة بمياه المجاري والبالوعات التي يعاني منها الجميع حتى في المدن الكبيرة والشهيرة في بلادنا العربية.

إعجاب خطيبة المستشار حمار بالفنان الهندي " أميتاب بيتشان "، سرب إليه نار الغيرة، فتسللت إليه فكرة مجنونة، وهي أن يلقن الهندي علقة ساخنة ليظهر بصورة البطل أمام محبوبتة، وهو ما كدبه مشقة تدريبات استمرت لشهور، وجاءت اللحظة التي يلتقي فيها بذلك البطل الذي خطف عقل وأنظار جميلتة، وهي تعكس صورة المصري الذي يحاول دائما الهروب من ذاته ليتوحد مع شخص البطل مهما كلفه هذا من تضحيات.

لم يغفل المستشار حمار الكاتب محمد حسنين هيكل، واعترف أنه منافسه الوحيد في التحليل السياسي، إلا أن حمارنا يفوقه بالحذر والحيطة أثناء التحليل على عكس هيكل الذي يسبب الكثير من المشكلات بقنابله الهجومية كما وصفها.

وتحت عنوان التطوير قال الكاتب: إن الإنسان يمتلك من قدرات وملكات تمكنه من التغيير إلى الأفضل، وحتما سوف تقوده قدراته إلى ذلك، لكن ما يصعب تغييره هي وزارة التموين، ومباحث أمن الدولة آنذاك.

ووصف المستشار حمار الوطن العربي بحقل كبير للتجارب، والناس الذين يعيشون على ظهره ما هم إلا فئران للتجارب، وأنهم يقفون مكتوفي الأيدي تجاه ما يحدث حولهم، كما أن العالم يعيش تكتلات وائتلافات واتحادات، بينما العرب يغصون في نوم عميق وإن صحوا انشغلوا بخلافاتهم وصراعاتهم الذاتية، وبغضب يقول الحمار" بين يوم وليلة ستجدون كل الأشياء قد انقلبت رأسًا على عقب".

وبدأ المستشار حمار إحدى يومياته تحت عنوان " المخبر " بالنكتة الشهيرة التي يرويها المصريون ومفادها " أقيمت مسابقة بين ثلاثة أجهزة أمنية في العالم، هي الكي جي بي الروسي، والسي آي إيه الأمريكي، ومباحث أمن الدولة المصري للعثور على أرنب في صحراء واسعة، أنجزت السي آي إيه المهمة في يوم واحد، والكي جي بي في يومين، أما أمن الدولة المصري فظل رجاله أسبوعًا كاملًا يبحثون عن الأرنب ولم يجدوه، وفي الأخير أمسكوا غزالًا وأشبعوه ضربًا وأمروه أن يقول: أنا أرنب "، وهذا كان انتقاد موجه لحال الأجهزة الأمنية بدولنا العربية.

ثم انتقل الحمار المستشار إلى حكاية سلمان فكري رئيس حزب " الطعمية " أحد ضحايا أمن الدولة، التي قادته معارضته للنظام إلى السجن، والوقوع بين أيدي رجال أمن الدولة، وفي إحدى زنازين سجونها الكئيبة، فقد حيويته وشبابه، رأى عينيه جاحظتين بسبب الماء والشطة، ودش الماء البارد في عز الشتاء، وذات مرة دخل عليه المخبر يحمل هراوة يتبعه عشرون من رجاله، وأخذ يضرب سلمان ضربا مبرحا وهو يتلوى من الألم حتى فقد وعيه، بعدها سكب عليه المخبر كوبا من الزيت المغلي فصحا واسترد وعيه فأعاد المخبر الكرة مرة أخرى. في الأخير خرج سلمان من السجن إلا أنه لا يستطيع حتى الجلوس على كرسي.

وأخيرا تلقى المستشار حمار تهديدا مباشرا بالقتل من الصهاينة، لأنهم اعتبروه عربيًا وهو ليس كذلك فهو ( حمار )، إلا أنه يستدرك أن الصهاينة فعلوا ذلك لأنهم يعتبرون العرب كلهم على حد تعبيرهم ( حمير )، وتقول رسالة التهديد " إننا سندخل بلادكم وسنحيلها إلى بحور من الدماء، وعليك أن تكف وإلا فإن مصيرك إلى الشفخانة "، وقد حان الوقت لكي تتكلم مدافعنا، وسنعرف كيف نجعلكم تخرسون حين نقيم دولتنا من النهر إلى النهر "، فماذا كان الرد العربي ؟ لقد كان رد وزارة الداخلية في بلاده يحمل سمات الذل والهوان وهي سمة قد تطبعت بها الأنظمة العربية على طول مسيرتها التاريخية، جاء ردهم يقول: " إن فحوى رسالة التهديد التي تلقاها الحمار صديقنا العزيز إنما يؤكد على النوايا والأطماع التوسعية، كما أنه يؤكد الأهداف العنصرية البغيضة لهؤلاء القوم، فما معنى القول من النهر إلى النهر ؟، وماذا يقصدون بهذا ؟ إننا نعرب عن أسفنا الشديد وتأثرنا بهذا القول المغلوط، إذ إنها ليست من النهر إلى النهر ولكن إلى حدود ما قبل 1967م "، وهذا كان حال الأنظمة العربية الخائبة.

الجريدة الرسمية