رئيس التحرير
عصام كامل

مدرسة لغات... عنوانها "بلاعة"


حينما تصبح الـ "بلاعة" عنوان مدرسة، يجب أن نقف وقفة جادة في وجه من يتقصد ضرب جهود وزارة التربية والتعليم، خاصة في عهد الدكتور محمود أبو النصر الذي صرح خيرا بأنه طرح 1140 مدرسة من منحة الإمارات والكويت ورجال أعمال مصريين للبناء، بهدف التشغيل الكامل خلال العام الدراسي 2016.

وحينما تكون المدرسة التي تنعم بهذه "البلاعة" مدرسة لغات، فيجب أن نصرخ جميعا صرخة واحدة ربما تصل إلى أذني الوزير الذي لا ينام إلا نصف ما يجب أن ينامه إنسان عادي، ليوظف أكثر ساعات نهاره وليله للعمل الفني والتقني بهدف نهضة التعليم.

"البلاعة" ليست عيبا، وليست شيئا نتبرأ منه، كونها حلقة مهمة جدا في أهم نظام حياتي، هو "الصرف الصحي"، لكنها إذا وجدت داخل فناء مدرسة، فيجب أن تكون مخفية، أو تم تصميمها وتنفيذها بطريقة تضمن حرمانها من أن تصبح النقطة الدالة على المدرسة، أو عنوانها.

خدش الصورة العامة لفناء المدرسة، يجب أن يوصف بأنه جريمة، لأن جماليات الفناء تظل محفورة في عقل الإنسان بملاعبه وأحواض زهوره، منذ طفولته، حتى يتخرج ويصبح رجلا، وربما يصبح مسئولا في دولة، فيرى أن وجود البلاعة مفتوحة في الشارع العام أو في المدرسة ليس عيبا.

التقيت بالصدفة طالبا عائدا من الخارج برفقة أسرته، بعد أن قطع شوطا من الدراسة في مدارس المملكة العربية ٍالسعودية، حتى نهاية الصف الثاني الإعدادي، وسألته عن رأيه في المدرسة التي قدم أوراقه فيها للالتحاق بها، لدخول الصف الثالث الإعدادي، وهي مدرسة لغات، فقال إنه لم ير فيها سوى "بلاعة"، ومدرسين يتنازعون تقسيم الغنائم جهارا نهارا.

ظننت أن الطالب يقارن بين مدرسة صلاح سالم للغات في مدينة منية النصر بمحافظة الدقهلية (حكومية لغات)، ومدرسة منارات الرياض مثلا في العاصمة السعودية، لكن اتضح لي أن الطالب يتفهم جيدا الفارق بين ميزانية التعليم هنا، ونظيرتها هناك.

كما يعرف الطالب الفارق بين مستوى رجال الأعمال الذين ينشئون المدارس الخاصة هناك وفقا لنظام صارم تفرضه وزارة التعليم في المملكة، ورجل الأعمال المصري الذي يضع حسابات الدروس الخصوصية بين أهم بنود الدخل في دراسة المشروع.

وفي لقطة حالمة، أعلن الطالب عن رغبته في الانتقال للقاهرة، حيث المدينة، والخدمات، وفارق المستوى الحضاري، وهو لا يعلم أن حال الريف أحسن مئات المرات من حال مدارس المدن، التي تتفنن في وضع برامج "دروس خاصة" لحلب أولياء الأمور فقط، لأن الحصة 60 دقيقة بلغت نحو 100 جنيه، و"يا ويل أبوه" من يتجرأ ويعطل المدرس خمس دقائق أخرى.

أقسم الطالب أن المدرسين تنازعوا أمامه على من سيفوز بغنيمته من الدروس الخصوصية، وحين تأكدوا من أنه ليس في حاجة إلى سلعتهم، ألقوا الرعب في قلبه من صعوبة المناهج، وهي التي قال الطالب عنها إنه تخطاها بمراحل في السنوات الماضية من مرحلة الابتدائية والإعدادية في مدارس الرياض.

انتقل الطالب لوصف المناهج، فقال إنها سطحية، ولا تبشر بمستقبل جيد لطالب، حيث تعاني أخطاء في الـ "جرامر"، وأخرى في صياغة اللغة الإنشائية.

كيف إذن حال المدارس الابتدائية الخاصة، التي تتقاضى من الطالب أموالا طائلة يوميا ـ غير رسمية ـ في بنود لا يتم تسجيلها، ومنها: الأنشطة، نظافة المدرسة، وأوراق الامتحانات المصورة، والدروس الخصوصية "الإتاوة الجبرية".

أحلم باليوم الذي تصبح فيه بلاعة المدرسة، دائرة وهمية غائرة وسط نسيج عام من النجيلة والبلاط، الذي يعكس الشكل الحضري لمكان جغرافي، يستضيف الطالب وقتا يزيد على وقت الاستضافة المنزلية بين عائلته، طوال أيام الدراسة.

المدرسة التي تتوسطها بلاعة، لن يحترم فصلها المدرس، ولن يلتزم طالبها بنظام تعليمي، ومن المؤكد أنها ستحتضن فئة الطلاب الذين يدخنون السجائر، ويتحدثون بالموبايل داخل الحصة.
barghoty@yahoo.com
الجريدة الرسمية