رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

سامح شكري: نعمل على استعادة دور مصر الإقليمي الريادي.. يوجد تحسن في العلاقات بين القاهرة وواشنطن ونتواصل لمكافحة «الإرهاب».. «مبادرة ليبيا» ليست مثالية.. والتعامل مع إثيوبيا يتطلب

 سامح شكري، وزير
سامح شكري، وزير الخارجية المصري

قبيل انطلاقه في جولة خارجية تستمر نحو 15 يوما، خص سامح شكري، وزير الخارجية المصري، صحيفة «العرب» اللندنية، بحوار شامل تطرّق من خلاله إلى الحديث عن أهم القضايا الحساسة التي تشهدها المنطقة والدور المنوط، اليوم، بعهدة القاهرة في مجال مكافحة الإرهاب، هذا نصّه.


أكّد سامح شكري، وزير الخارجية، أن مصر تلعب دورا مهما في مجال مكافحة الإرهاب، الذي عانت منه كثيرا خلال الفترة الماضية، لافتا إلى أنّ التفات العالم الآن إلى هذا الخطر، هو بمثابة تأكيد على صواب الخطوات المصرية في مكافحته، والتحذير من أضراره الإقليمية والدولية، مشيرا إلى أنّ ظاهرة الإرهاب، أو فكرة الإرهاب بمعنى أدق، لا ترتبط بدولة أو منطقة معينة ولا تنبع من هذا الدين أو تلك الثقافة، وإنّما تحركها مصالح جماعات وقوى إقليمية معينة، تستغل التنظيمات الإرهابية لتحقيق أغراضها، ولعل القرارات التي صدرت عن قمة الناتو الأخيرة في «ويلز» تؤكد أن الغرب بات يدرك حجم التهديد الذي تمثله هذه التنظيمات الإرهابية، وأن الاستمرار في غض الطرف عن جرائمها سيمثل تهديدًا مباشرًا لمصالح هذه الدول بل وللعالم كله في المستقبل.

وفي ذات السياق، أوضح «شكري»، أنّ تلك الحقيقة أدركتها مصر منذ ثمانينات القرن الماضي، وتحديدًا سنة 1986، عندما دعت حينها إلى عقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وإعادة النظر في جميع الاتفاقيات الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب الدولي، بهدف عقد اتفاقية شاملة تعالج كافة الجوانب المتصلة به والتعاون المطلوب بين الدول للتصدي له وردعه، بما في ذلك تبادل المعلومات بين الأجهزة المختصة عن المخططات الإرهابية والأفراد والجماعات المتورطة فيها وتدريب وحدات خاصة على مواجهة الإرهاب والإرهابيين وتوفير الوسائل التي تستخدم في تلك المواجهة والتعاون للقبض على الإرهابيين والتحقيق معهم ومحاكمتهم، وما يتبع ذلك من إجراءات جماعية إزاء الدول التي تساعد الإرهابيين وتحرضهم بصورة تضمن ألا تأخذ هذه الإجراءات الرادعة طابع العداء لجماعة قومية أو مجموعة من الدول.

وأضاف وزير الخارجية، أن الخط السياسي الذي كانت، ومازالت، تنتهجه مصر منذ سنوات يطالب بضرورة الإسراع بمعالجة جذور الإرهاب وإزالة أسبابه الكامنة، خاصة السياسية والاقتصادية والأمنية، من خلال القضاء على بؤر التوتر وعلى ازدواجية المعايير في تطبيق الشرعية الدولية وإنهاء الاحتلال الأجنبي، والاعتراف بحق الشعوب في تقرير مصيرها، والتأكيد على أن استمرار فشل المجتمع الدولي في التعامل مع القضايا الشائكة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وغيرها من حالات الظلم والاحتلال والعنصرية، إنما يوفر الذريعة والأرض الخصبة لأصحاب الفكر المتطرف لنشر أفكارهم والترويج لها ومن ثم لتجنيد العناصر الإرهابية.


سلامة الخط السياسي

ولدى تطرّقه للحديث عن الخط السياسي الذي انتهجته مصر في هذا الإطار، أشار «شكري» إلى أنّ الأيام أثبتت سلامة الخيار المصري وصوابه، وأنّ مصر حينما كانت تدعو إلى محاربة الإرهاب لم تكن تبحث عن معالجة مشكلة فردية، وإنما كان تحركها مبعثه اليقين أن هذه الظاهرة سوف تتفاقم وتزداد خطورتها بمرور الوقت، بما يستدعي أهمية التحـــرك الــدولي الجماعي بشكل عاجــل.

وفي ما يتعلٌّق بحضور مصر لاجتماع جدّة الذي انعقد في 11 سبتمبر الجاري وتطرق لبحث تهديدات التنظيمات الإرهابية وسبل مواجهتها والقضاء عليها، أوضح وزير الخارجية، أن مصر حرصت على حضور هذا الاجتماع لأنّها تعتبر نفسها ضحية لهذه الآفة، ولأنها لا تستطيع أن تتخلف عن اجتماع إقليمي ودولي هام، يركز على مكافحة الإرهاب، خاصة أنّ انتشار الجماعات الإرهابية بالشرق الأوسط بصفة عامة، أصبح خطرًا ملحًا يهدد حاضر دول وشعوب المنطقة ومستقبلها، ويمثل تهديدًا صريحًا للأمن والسلم على المستويين الإقليمي والدولي، وهو ما انعكس بوضوح في مقررات الشرعية الدولية بما في ذلك قرار مجلس الأمن رقم 2170 لعام 2014 الذي صدر تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.


مصر تلتزم بمكافحة الإرهاب

كما شدد على أنّ مصر تحرص على الالتزام بقرارات الشرعية الدولية من ناحية، وبضرورة تنسيق التحركات الإقليمية والدولية لمكافحة خطر الإرهاب الدولي، الذي يهدد مفهوم الدولة الحديثة في المنطقة لصالح أيديولوجيات متطرفة من ناحية أخرى.

وحول الروابط بين الشبكات الإرهابية المختلفة، قال «شكري»: «لم يعد يخفى على أحد أن الجماعات الإرهابية، رغم ما يبدو من اختلاف ظاهري في مدى تطرفها وأهدافها في كل بلد، تشكل شبكة واحدة من المصالح وتدعم بعضها البعض معنويًا، بل وماديًا عند الحاجة، وهو انعكاس لكونها وليدة نواة واحدة، وهي إيديولوجية التطرف والكراهية وعدم قبول الآخر».

استطرد قائلا: «واجهت مصر خلال الفترة الماضية هذه الظاهرة القبيحة على المستوى الداخلي، وحققت بالفعل نجاحات هامة في هذا الصدد كان لها أثرها الإيجابي – المستمر حتى الآن – على المستويين القومي والإقليمي، بدأت من نجاح ثورة الشعب المصري في 30 يونيو 2013 في التخلص من حكم جماعة الإخوان التي مثلت دومًا العباءة الإيديولوجية التي خرجت من تحتها الجماعات الإرهابية بمختلف مشاربها، ثم مواجهة ردود الفعل الإرهابية على هذا القرار الشعبي التاريخي، والتي انعكست في العمليات التي شهدتها مصر خلال الفترة الماضية، والتي راح ضحيتها مئات المواطنين»، مؤكّدا أنّ مصر مازالت ملتزمة بالقضاء نهائيًا على هذا الخطر.


مواقف واضحة وحازمة

في سياق متّصل، طالب سامح شكري، بضرورة أن تكون هناك مواقف دولية واضحة وحازمة في مواجهة التهديدات والتنظيمات الإرهابية، بعيدا عمّا وصفه بـ «الكيل بمكيالين»، فليس من المنطق في شيء أن تحشد الدول الكبرى مواردها لهزيمة «داعش»، بينما تحجب هذه الموارد عن مصر، وهي تخوض معركة شرسة ضد العدو المشترك على أراضيها، مشيرا إلى أنّ مصر تؤكد دائما أن الإرهاب لا وطن له، وأن مخاطره ستمتد آجلًا أم عاجلًا من الإطار المحلي إلى الإقليمي، ومنه إلى الدولي.

وفي هذا الصدد استدرك وزير الخارجية، وقال في حواره مع لـ«العرب»: «حرصت على التأكيد خلال اجتماع جدة على أنّ الإجراءات الأمنية والمالية التي تستهدف القضاء على التنظيمات الإرهابية في المشرق العربي، يتعين أن تقترن في الوقت ذاته بتسوية في سوريا، مبنية على العملية السياسية القائمة على مبادئ إعلان جنيف الصادر في يونيو 2012، وفي إطار صيغة تسمح بالحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، كما أن التوافق الدولي الواضح حول خطورة تلك التنظيمات على الأمن والسلم الدوليين يتعين أن يكون حافزًا لتوسيع نطاق المشاورات الدولية الخاصة بسوريا لتشمل جميع القوى الإقليمية والدولية الفاعلة ذات التأثير على المشهد السوري، لحمل النظام على التعاطي بجدية مع عملية سياسية تفضي إلى دولة سوريا موحدة تقوم على أسس ديمقراطية».

من ثمّة، شرح «شكري»، موقف بلاده من هذه المسألة، بشكل لا يحتمل اللبس، حيث قال: «إنه مع التسليم بالحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات حاسمة تجاه تنظيمي داعش وجبهة النصرة ووجودهما المتنامي بدول المشرق العربي، فلا يمكن أن نتجاهل مخاطر تمدد التنظيمات المشابهة الآخذة في التنامي في المغرب العربي، وتحديدا سعي تلك التنظيمات لهدم مفهوم الدولة في ليبيا، بما قد يجر هذه الأخيرة نحو سيناريو مشابه لما حصل في العراق وسوريا، وربما لما هو أخطر»، مطالبا بتضامن دول العالم للاستجابة، لطموحات الشعب الليبي المشروعة في بناء مؤسساته ودعم خياراته الديمقراطية، وتجفيف مصادر تمويل الجماعات الإرهابية.



تجفيف منابع الإرهاب

من جهة أخرى، نوه وزير الخارجية إلى الإجراءات التي اتخذها المجتمع الدولي للحيلولة دون وصول السلاح والدعم لنظام القذافي إبان الثورية الليبية، مؤكدا أنها يمكن أن تصبح نموذجًا لما قد يتم في مواجهة الإرهاب في هذه الدولة، من خلال منع حصول الجماعات الإرهابية على الدعم الذي تقدمه، للأسف، أطراف إقليمية معينة، مضيفا أنها «إجراءات لم نلمس جدية في اتخاذها».

كما تطرق إلى جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة، مشددا على أهمية أن تقترن بضرورة تضافر الجهود في سبيل إحياء مفهوم «الدولة الوطنية»، البعيدة عن أية تجاذبات ذات طابع مذهبي أو قومي أو جغرافي.

وفي هذا السياق، قال: «أود الإعراب عن تطلع مصر لنجاح الحكومة العراقية الجديدة في الوفاء بمقتضيات الوفاق الداخلي بين مختلف المكونات الوطنية، فضلًا عن نسج علاقات بنّاءة مع بلدان الجوار طبقًا لمفهوم الاحترام المتبادل لسيادة الدول وأمنها واستقرارها».


العلاقات المصرية الأمريكية

أمّا في ما يتعلّق بالعلاقات المصرية الأميركية، على ضوء زيارات جون كيري وزير الخارجية الأميركي وعدد من وفود الكونجرس إلى القاهرة في الآونة الأخيرة، أوضح «شكري»، أنّ تلك الزيارات تمت بدافع الرغبة في التعرف على وجهة النظر المصرية إزاء بعض القضايا الإقليمية والدولية المختلفة، وعلى رأسها الأزمة الفلسطينية، والأوضاع في سوريا والعراق، وجهود مكافحة الإرهاب، فضلًا عن بحث تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في شتى المجالات، لافتا إلى أن هناك إدراكا لدى الطرفين بأهمية كل منهما للآخر وأنّ هناك تطور في العلاقات، مشيرا إلى أنّ الاتصالات مازالت مستمرة ومكثفة بشأن قضايا عدة في المنطقة، آملا أن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من التحسن في العلاقات بين البلدين.

جولة أوربية ناجحة

في إطار حديثه عن نتائج جولته الأخيرة التي شملت كلاّ من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، قال وزير الخارجية المصري: «يمكن أن أقول أن هذه الجولة أظهرت مدى التقدير الأوربي للدور الهام الذي لعبته مصر في ما يتعلق بالأزمة الفلسطينية الأخيرة، والذي كان له بالغ الأثر في التوصل إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فضلًا عن حرص الدول الأوربية على تأكيد دعمها للجهود المصرية في هذا الصدد، واستعدادها لمواكبة تحركات مصر لضمان تحقيق أهدافها».

أضاف «شكري»، أنه حرص خلال هذه الجولة على تناول جانبين رئيسيين، الأول يتعلق بالعلاقات الثنائية، لاسيما الشق الاقتصادي منها، والثاني منوط بالقضايا والموضوعات الإقليمية محل الاهتمام المشترك، حيث قال إنّه شدد في جميع المقابلات التي أجراها مع المسؤولين الأوربيين على استعراض الوضع الاقتصادي في مصر، والجهود التي قامت بها الحكومة الحالية لإصلاح الاقتصاد، وتجاوز التحديات الراهنة، وأهمية الدعم من خلال شراكات اقتصادية وتجارية وتعاون ثنائي وفتح الباب أمام استثمارات أجنبية، مصر في أمس الحاجة إليها في هذه الأيام.

وفي ما يخص محطة برلين، فقد أوضح وزير الخارجية، أنّه حرص على دعوة الجانب الألماني للمشاركة في المشروعات التنموية الكبرى التي تضطلع الحكومة بتنفيذها، لاسيما مشروعات قناة السويس الجديدة، وتعمير الساحل الشمالي، والتنقيب في الصحراء الغربية، مشيرا إلى أنّ المسؤولين الألمان أكّدوا له، مشاركة بلادهم بفاعلية في مؤتمر دعم الاستثمار في مصر أوائل العام المقبل، فضلًا عن وصول وفد اقتصادي ألماني رفيع المستوى إلى مصر في 22 سبتمبر الحالي، لبحث فرص الاستثمار وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، علاوة على مواصلة دعم ألمانيا لمشاريع التنمية والتعاون في مصر، خاصة في مجالات البنية التحتية والطاقة وإدارة الموارد المائية والقطاعات الزراعية.

أمّا في باريس، كشف الوزير شكري، أنّه أجرى لقاءات مع عدد من المسؤولين وعدد من مديرون كبرى الشركات الفرنسية، لبحث مختلف مجالات التعاون الاقتصادي والثقافي بين البلدين، والوقوف على التقدم بالنسبة للاستثمارات الفرنسية في السوق المصرية، وفي مشروعات البنية الأساسية، ومن أبرزها مشروع مترو الأنفاق بمراحله المختلفة، إضافة إلى التعريف بالمشروعات الكبرى على الأجندة الاقتصادية للحكومة المصرية، كمشروع تنمية محور قناة السويس، وتنمية المثلث التعديني الذهبي، فضلًا عن الاجتماع بعدد من رؤساء وممثلي كبرى الشركات الفرنسية العاملة بمصر، في مجالات البنية التحتية والنقل والطاقة والتمويل والزراعة وصناعة الطائرات والأسمنت.

وقال وزير الخارجية، إنّه حرص أيضا على استعراض الجهود التي تقوم بها الحكومة المصرية، من أجل تهيئة المناخ الملائم لجذب الاستثمارات ورءوس الأموال الأجنبية في المجالات المختلفة، وعلى رأسها المشروعات القومية الكبرى، وهو ما كان له أثر بالغ في إقناع هؤلاء المستثمرين بجدوى خطوات الإصلاح الاقتصادي في مصر، وإمكانية ضخ المزيد من الاستثمارات فيها.

واستكمل الوزير حديثه عن محطّات جولته الأوربية، موضحا أنّ الوضع في روما لم يكن مختلفًا، فقد تمّ بحث أوجه التعاون الاقتصادي والتجاري مع المسؤولين هناك، بالنظر إلى أنّ ايطاليا تعد الشريك التجاري «الأوربي» الأول لمصر.

وفي ذات السياق خلص «شكري»، إلى التأكيد على أنّ محصلة الجولات واللقاءات والمباحثات عكست نوعًا من الارتياح إزاء السياسة الاقتصادية المصرية، وحالة الاستقرار التي تتحقق تدريجيًا في مؤشرات الاقتصاد، بما يمهد لمزيد من التوسع من جانب هذه الدول في السوق المصري، ويضفى نوعًا من التفاؤل حيال التحسن في الوضع الاقتصادي لمصر في المستقبل.

هذا وتجدر الإشارة إلى الجولة الأوربية التي قام بها الوزير شكري، لم تكن قاصرة على الأبعاد الثنائية، بل تطرقت إلى حزمة من القضايا والملفات الإقليمية، حيث قال «شكري»، إنّ زياراته تناولت أيضا التطورات الإقليمية في الشرق الأوسط، لافتا إلى أنّ الجانب الأوربي ثمّن عودة مصر لممارسة دورها القيادي في المنطقة، وإلى تعويلهم على الجهود الجارية لتثبيت وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، بما يساهم في تحسين الأوضاع الإنسانية والاقتصادية للفلسطينيين في قطاع غزة، وإعادة السلطة الوطنية لممارسة مسؤولياتها في القطاع، بما يمهد لعقد مفاوضات الحل النهائي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.


تثبيت أركان ليبيا

في سياق آخر، أشار وزير الخارجية، إلى أنه استعرض كذلك التطورات في ليبيا، حيث تمّ الاتفاق على ضرورة تنسيق جهود دول الجوار مع باقي الجهود الدولية، ودعم البرلمان المنتخب حديثًا، لتثبيت أركان الدولة ومحاربة الجماعات المتطرفة، وتعزيز الوضع الأمني في البلاد، فضلًا عن تناول الأوضاع في سوريا والعراق، وأهمية مكافحة ظاهرة الإرهاب في المنطقة، وكان هناك إجماع أوربي على ضرورة وجود إستراتيجية عربية ودولية لمحاربة قوى التطرف والإرهاب التي تهدد المنطقة وأوربا على السواء، مع التأكيد على أن محاربة هذه التنظيمات عسكريا ينبغي أن يكون جزءا من كلٍّ يتضمن إستراتيجية أوسع على الصعيدين السياسي والفكري.

وبخصوص المبادرة المصرية للتهدئة في ليبيا، وجدواها السياسية في الوقت الراهن، الذي تزداد فيه الأمور تعقيدا، وما يتردد حول مثاليتها الزائدة، قال «شكري»، «إنّها ليست مبادرة مثالية، وإنما هي مبادرة واقعية، تعكس محصلة الاتصالات واللقاءات والاجتماعات السابقة لدول الجوار الليبي، وتستهدف حل الأزمة الليبية وجمع السلاح من جميع الميلشيات، وتتضمن عددًا من العناصر المهمة، وإذا حصلت على الدعم والتأييد اللازمين، فقد تمثل نقطة البداية نحو التوصل إلى حل شامل للأزمة الليبية».

وفي ما يتعلق بالبدائل المتوافرة، حال فشل هذه المبادرة، قال «شكري»، نحن نتحرك على جميع الأصعدة، وسنستمر في تكثيف الاتصالات مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، لتسوية الأزمة بطريقة سلمية تشجع الليبيين على التفاهم عبر الحوار في ما بينهم حول كيفية العودة إلى المسار السياسي ومسار بناء المؤسسات.


لا حل عسكريا في سوريا

من جهة أخرى، وبشأن ما يتردد من أخبار عن وجود مبادرة مصرية لحل الأزمة في سوريا، وما يمكن أن تقوم به مصر في هذا الصدد، بحكم علاقاتها الجيدة بغالبية الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة، أشار وزير الخارجية إلى أنّ «مصر لم تتقدم بمبادرة في هذا الشأن”، لا فتا إلى أنّ الموقف المصري من الأزمة السورية ثابت وينطلق من أنه لا وجود لحل عسكري، ممّا يعني التوصل إلى حل سياسي سلمي يؤدي إلى إنهاء معاناة الشعب السوري، باعتباره الحل الأمثل للأزمة، عن طريق المفاوضات، وفقًا لأسس ومحددات عملية جنيف، بهدف التوصل إلى حل يحقق طموحات الشعب السوري وتطلعاته، في الحرية والكرامة والديمقراطية، ويحافظ في الوقت ذاته على تماسك الدولة واستمرار صيغة العيش المشترك بين أبنائها».

وفي ما يخص العلاقات بين مصر ودول الخليج، أكد سامح شكري، أنّها «وثيقة»، مشدّدا على أنّ مصر تحرص على أن يكون هناك تنسيق في المواقف بينها وبين دول الخليج في ما يتعلق بالقضايا الإقليمية والدولية، مضيفا بالقول: «لقد أعدنا مرارا أن أمن الخليج هو جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي المصري»، وهناك اتصالات وزيارات متبادلة بصفة مستمرة للتشاور حول المستجدات الإقليمية، ونحن حريصون على استمرار التعاون خلال الفترة القادمة، لاسيما على الصعيد الاقتصادي، من خلال جذب المزيد من الاستثمارات العربية إلى مصر، والعمل على تعزيز التعاون في شتى المجالات.


فلسطين أولوية مصرية

أمّا بالنسبة لطبيعة التحركات المصرية، على الصعيدين الإقليمي والدولي، لدعم القضية الفلسطينية، فقد أكد شكري: أنّ هذه القضية تمثل الأولوية «الأولى» في اهتمامات مصر، وسنظل نعمل من أجل نيل الشعب الفلسطيني الشقيق كامل حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة على كامل ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشرقية. فاستقرار المنطقة بأسرها إنما يعد مرهونًا بتحقيق هذه الغاية.

مصر تتطلع لنجاح الحكومة العراقية في الوفاء بمقتضيات الوفاق الداخلي

كما أضاف أنّه انطلاقا من مسئولية مصر التاريخية تجاه الشعب الفلسطيني الشقيق، فهي لم تدّخر جهدًا منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأزمة في غزة بغية الحفاظ على دماء الأبرياء من الأشقاء الفلسطينيين، وكانت المتابعة لتطورات الأزمة، والاتصالات مستمرة على مدى الساعة، من أجل وقف نزيف الدم الفلسطيني في غزة، حتى تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، بحيث تتاح الفرصة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وصولًا إلى وقف دائم لإطلاق النار والاتفاق حول النقاط الخلافية، بما يضمن عدم تكرار المأساة التي مر بها الأبرياء في غزة مؤخرًا.

وعلى صعيد آخر، أوضح الوزير شكري، أنّ جهود مصر تتواصل لعقد المؤتمر الدولي حول فلسطين، وإعادة إعمار قطاع غزة بالاشتراك مع النرويج، حيث أنّ القاهرة ستستضيف مؤتمرا لهذا الغرض يوم 12 أكتوبر المقبل، بهدف حشد الموارد لعملية إعادة التعمير، وتوفير الدعم السياسي لها، خاصة من خلال تعزيز قدرات الحكومة الفلسطينية، التي يُعد وجودها وعملها في القطاع عاملًان أساسيان، ليس فقط بالنسبة لإعادة الإعمار، لكن لاستعادة الوحدة الوطنية، ومواصلة العمل لإقامة الدولة الفلسطينية.

وفي ذات السياق، عبر وزير الخارجية، عن إصراره على مواصل الطريق بقوله: «لن نكل ولن نمل من التأكيد على الثوابت العربية في كل المحافل تجاه القضية الفلسطينية، وهي قضية العرب الأولى، وذلك حتى يتحقق للشعب الفلسطيني حقه المشروع في بناء دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف»، أمّا عن ضمانات تثبيت الهدنة، فقد قال: «نحن نعمل مع الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية لاستئناف المفاوضات غير المباشرة في أقرب وقت ممكن، ومع الأطراف الإقليمية والدولية من أجل تهيئة المناخ أمام استئناف مفاوضات الحل النهائي، بما يؤدى إلى التوصل لتسوية دائمة».

كما شدد، على ضرورة أن ترتقي جميع الفصائل والأطراف الفلسطينية وتعلو فوق الخلافات، وأن تُعلي المصالح الوطنية فوق غيرها من المصالح الضيقة، لكي يتسنى لها توحيد الصف خلف القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني، وصولًا إلى الهدف الوحيد الذي يمثل الأولوية الوطنية الأولى الآن، وهو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، طبقًا للقرارات الدولية وفى إطار مبادرة السلام العربية، مشيرا إلى أن مدى التزام أي فصيل أو طرف فلسطيني بما تقدم هو الذي سيحكم علاقات مصر معه، ضمن إطار العلاقة الأشمل التي تربط مصر بفلسطين وشعبها الشقيق، أينما كان وبقضيته العادلة.


تواصل مستمر مع إثيوبيا

التطورات مع إثيوبيا في ما يتعلق بقضية المياه، مسألة أخرى لم تكن غائبة عن حوار سامح شكري مع «العرب»، حيث قال في هذا الصدد: «مما لا شك فيه أن الفترة الماضية شهدت تطورًا ملموسًا على صعيد تطوير العلاقات بين البلدين، وكسر الجمود الذي غلف العلاقات لسنوات طويلة، لاسيما في الفترة الأخيرة، حيث تصاعد الحديث عن مشروع سد النهضة، وما يمكن أن يمثله من تهديد للأمن المائي لمصر»، لكن التطورات أثبتت أن الأمر يحتاج إلى المصارحة والحوار المباشر بين الأطراف الثلاثة المعنية بهذه القضية، ومصر من جانبها أثبتت انفتاحا واستعدادا للحوار، وهو ما تم خلال القمة الأخيرة للاتحاد الأفريقي التي انعقدت في مالابو عاصمة غينيا الاستوائية، من خلال اللقاء الذي جمع بين الرئيس عبدالفتاح السيسي، ورئيس وزراء إثيوبيا هايلي ماريام دسالين، والبيان الذي صدر عن اللقاء أكد حسن نوايا الطرفين واستعدادهما التام للحوار، والتوصل إلى حل يحفظ لمصر حقها في توفير احتياجاتها من المياه، وفي الوقت ذاته يراعي التطلعات التنموية للشعب الإثيوبي.



كما أوضح أنّه منذ ذلك الحين، ومصر على تواصل مستمر مع الجانب الإثيوبي، فضلًا عن ذلك فقد انعقدت مؤخرًا في الخرطوم الجولة الرابعة من اجتماعات اللجنة الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان للتباحث حول سد النهضة الإثيوبي، وأبرز ما يمكن ملاحظته في ما يتعلق بهذه الجولة، تلك الروح الإيجابية الواضحة التي سادت أعمال الاجتماعات، والتي تعد استكمالًا واستثمارًا للروح الجديدة التي سرت في أجواء العلاقات بين مصر وإثيوبيا، مضيفا أنّه قام كذلك بزيارة إلى أديس أبابا التقى خلالها مع كل من رئيس وزراء إثيوبيا، وتيودروس أدهانوم وزير الخارجية، وسلم دسالين رسالة من الرئيس عبدالفتاح السيسي، تتضمن حرص مصر على تطوير العلاقات الثنائية مع إثيوبيا، في مختلف المجالات، وعلى تنفيذ جميع عناصر اتفاق مالابو، بما في ذلك العمل على عقد اللجنة الثنائية المشتركة، وعقد اللجنة السياسية العليا بين البلدين في أقرب وقت ممكن.

ونهاية حديثه، شرح وزير الخارجية نتائج الزيارة، مؤكدا أن المشاورات التي أجراها مع الجانب الإثيوبي، عكست وجود رغبة مشتركة لدى البلدين في تحقيق التعاون، والعمل على بناء الثقة والاستمرار في التنسيق على مختلف المستويات السياسية والفنية، خلال المرحلة القادمة، والاتفاق على مواصلة التشاور واللقاءات خلال الأسابيع المقبلة، بما في ذلك عقد لقاءات على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، سواء على مستوى وزيري الخارجية أو على مستوى قيادتي البلدين.

هذا عن تطورات العلاقات حاليا، أما في ما يتعلق بالمستقبل، فقد قال «شكري»:«سنستمر في التباحث والتفاوض إلى حين التوصل إلى اتفاق يُرضي جميع الأطراف ويحقق مصالحهم»، واستطرد، أنّ الفترة الماضية شهدت توافقًا حول بعض الأمور التي كانت مجمدة في السابق، لكن الأمر يتطلب التعامل بقدر من الهدوء، فهذا الملف الشائك ما زال في حاجة إلى الكثير من العمل الجاد للتوصل إلى صيغة توافقية تلبي احتياجات الدول الثلاث «مصر وإثيوبيا والسودان»، في إطار التعاون المشترك، بعيدًا عن فكرة التنافسية، و«كأنها مباراة لابد أن تنتهي بفائز ومهزوم»، وفق تعبيره.
Advertisements
الجريدة الرسمية