رئيس التحرير
عصام كامل

الحزب أحسن من العِزبة!


الحاج (عبد النعيم أبو الفتوح)، وهو شخص غير (عبد المنعم أبو الفتوح) خالص، لا يشبهه، ولا متعلِّم زيه، ولا يملك تاريخه الطويل في عالم الإرهاب، قبل أن يزهق منه ويقوم بتغيير خانة المهنة في البطاقة من إرهابى إلى راقص ستربتيز سياسي على السلالم، يوم إخوانى، ويوم مش طايقهم، ويوم بيحترمهم، ويوم عايز يديلهم بالقديمة، ويوم مع ثورة يونيو، ويوم ضد انقلاب يونيو برضو، المُهم إن الحاج (عبد النعيم) راجل عاقل، ملوش في الهلس ده!

عم الحاج (عبد النعيم) طلع على المعاش مؤخرًا، وخَد له مكافأة مُعتبرة، تقريبًا ما يُعادل راتب ألفين وخُمسميت شهر حسب آخر زيادة حصُل عليها مع أخواننا الموظفين، زائد مُكافأة صندوق الزمالة، ومكافأة الصندوق الخاص، ومكافأة الصندوق اللى سرقوه يا (محمد) بس مفتاحه معانا، وكمان مكافأة حَل الكلمات المتقاطعة واستغلال تليفون الشُغل والتزويغ قبل الساعة 10 الصُبح يوميًا لمُدة أربعين سنة قضاها في الخدمة!

عمَّك (عبنعيم) ـ بننطقها كده عندنا في البلد ـ دَخَّل البنتين، متبقاش غشيم وتسأل دخَّلهم فين، وخطب للولدين، وجابلهم الشبكة، وعربِن النجار بفلوس الخشب للإوَض، وصَب السقف بتاع الدور السابع في البيت اللى بناه على قيراطين الأرض الزراعية عندنا في البلد برضو، وراضى الولية بأسورتين تعابين، ومن حُسن حظه إن سعر الدهب مضروب اليومين دول، وكلِّم المُحامى علشان يرفع له قضية رصيد الإجازات المشهورة، وطبعًا القضية دى مضمونة، وهيكون في استطاعته إنه يحصُل على مبلغ لا يقل عن ميتين ألف جنيه من ميتين أم خزنة الدولة، نظير أيام الإجازات اللى حضرته مكانش بيرضى ياخدها في البيت، وسط قلة الراحة، ودوشة العيال، وزَن ونَكَد أمهم، وتخبيط بتاع الأنابيب تحت في الشارع، والمروحة اللى خدوها من أوضته علشان تهوى عليهم في الصالة في عِز الحَر، فكان بيروح الشُغل يريَّح دماغه هناك، في الهدوء والراحة، وينام له ساعتين تلاتة على مكتبه، ومحدش يستجرى يكلمه أو يزعجه، والمروحة شغالة الله ينوَّر، وبتاع الأنابيب مبيعديش من هناك!

الراجل بَص نحوه، لقي نفسه لا شُغلة ولا مشغلة بعد المعاش، طيب ينزل الصُبح يروح فين؟ القهوة؟ مصاريف ووجع قلب، البيت؟ خنقة وصداع وزَن الولية مش هايخلص، قال لك أعمل مشروع، وقعد يفكَّر، أفتح سوبر ماركت؟ بتوع التموين هايقرفونى، طيب أجيب تاكس؟ لا يا عم برستيجى ميسمحش، قال لى وهو يشكو همُّه: آه لو كُنت حافظ شوية شتايم من اللى بتطول الأب والأم والعائلة وأصحابها وقرايبها لحد الدرجة التمنتاشر، كُنت جبت ميكروباص، لأ طبعًا مش هو اللى هايشتغل عليه ما أنا كُنت فاكر زيَّك كده في الأول، وعرفت إنه كان هايجيب سوَّاق باليومية يركبه، طيب عاوز تشتم ليه ما دام مش إنت اللى هاتسوق يا عم الحاج؟ قال لك لازم أتفوَّق على السواق، علشان ميركبنيش زى ما بيركب العربية، شكلك مش فاهم الدُنيا كويس!

صارحنى بأنه كان بيفكَّر يفتح قناة فضائية، ويقعد يقدِّم البرامج فيها، ويهزَّأ في اللى شغالين معاه بفلوسه، ويسهَر للصُبح يحكى ويرغى، وبعدين قالوله إنها مش بتجيب همَّها، وهايخسر فيها الجِلد والسَقط، ففكر في استغلال مواهبه السياسية، وقرر إنشاء حزب جديد، على خلفية تاريخه السياسي النضالى الطويل!

قال له أحد جيراننا: يا عم (عبنعيم) عُمرنا ما سمعنا إنك ليك تاريخ نضالى، كان الرد إصابة الجار بعدة شتائم تؤكد أحقيته بامتلاك الميكروباص، حسب الشروط التي أعلن عنها في الفقرة قبل الماضية، وهو يؤكد أنه راجل شُجاع، يقول للأعور إنت أعور في عينه، وأن تاريخه النضالى لا ينكره إلا جاحد أو جاهل، وزادنا من الشعر بيتًا: هو (حمدين صباحى) كان عايش أيام الإنجليز؟ أومال بتقولوا عليه مُناضل ليه؟ هو (عبمنعم أبو الفتوح) كان له مواقف ثابتة ومبادئ؟ أومال بتقولوا عليه راجل محترم ليه؟ (كدت أحلف له ميت يمين طلاق إنى عُمرى ما اتهمت الراجل إنه مُحترم) وواصل من غير ما يمنحنى الفُرصة: هو أنا أقل من العالم دى؟ وبعدين الحزب ده اختيار شعبى تعبوى، وإحنا داخلين على يومين استنخابات، والبلد محتاجة لتضافُر الجهود!

وأضاف مُفسرًا لكلمة "استنخابات": الانتخابات غير الاستنخابات، الانتخاب هي أن يقوم الشخص بنفسه وعقله باختيار مَن يُريده عبر صندوق الاقتراع (لم يخلط بين صندوق الاقتراع ومرض الاقتراع الإنجليزى الشهير الذي يُصيب الرأس ويُسقط الشعر)، أما الاستنخاب فهو أن يقوم الحزب بتوعية الناس وتسليطهم على إنهم ينتخبوا مُرشحينه علشان يأخُد أغلبية برلمانية، ويقوم بتشكيل الحكومة، أو محاسبتها، أو النوم أثناء جلسات مجلس الشعب، حسب ما الدستور بينُص وقتها، وقال لك على رأى المَثَل: اللى عنده حزب أحسن من اللى عنده عزبة!

السياسة كما قال عم (أبو الفتوح) هي فن المُمكن، ومادام مُمكن تأجر شقة في حارة أو شارع جانبى، وتعلَّق عليها يافطة باسم الحزب اللى حضرتك اخترته / اخترعته، وتكتب تحت الاسم كلمتين على غرار "وطنى ـ تقدُمى ـ ذو مرجعية غير رجعية"، ويستضيفوك في الفضائيات والمُناظرات بصفتك واحدا من رؤساء الأحزاب في البلد، وكبار الساسة، وصفوة النخبة، وتُفلة الحشرة، فهذا قمة النجاح السياسي، وقتها ستطرح آراءك وأفكارك، ويكون بمقدورك المُشاركة الفعالة في انتقاء نوع الخيار الاستراتيجي للدولة، وتحديد مستقبلها ومصيرها، إذا ما كان الأفضل لها ولمواطنيها إنها تُقع في حُفرة، أو تلبس في حيطة!

ولو كانت شروط امتلاك ميكروباص هي تعلُّم لُغة القباحة وقلة الأدب؛ لمُجابهة السائقين والميكانيكية وكثيرٍ العاملين في هذا المجال، فإن عمّنا (عبنعيم أبو الفتوح) بعد ما شاف لقاء (عبمنعم أبو الفتوح) الأخير على شاشة قناة الحياة الحمرا، فقد قرر إنه ياخُد دروسا وكورسات مُكثفة في الهرتلة والتخريف والسُطَل ونسف الحقائق، قبل ما يفتتح مقر الحزب الجديد بتاعه، على أساس إن ده شرط أساسى لمنحه فُرصة الظهور قريبًا جدًا على نفس الشاشة.. الحمرا!
الجريدة الرسمية