رئيس التحرير
عصام كامل

من يعيد للثقافـــــــة المصرية رونقها وجدارتـها ! (2)


استعرضنا في المقال السابق كل الثغرات التي كانت سببًا في هذا الانحطاط الذي مرت به الثقافة المصرية منذ 1980، إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه الآن، وعلينا بعد هذا السرد الذي كان، أن نفرد لكل هيئة من الهيئات التابعة للوزارة الأسباب التي أدت إلى تغيبها عن مسايرة ركب المعاصرة والتقدم الذي تميزت به دول أخرى غربية وبعض دول أمريكا اللاتينية، حتى بعض دول في آسيا تميزت بكثير من الفنون الإبداعية من فرق لفنون شعبية، ومسرح يحاكى العصر، ومسلسلات تليفزيونية تبثها كل القنوات العربية والخليجية التي كانت لا تعرف غير المسلسلات المصرية، أصبح الآن كوريا وتركيا والمكسيك يصدرون لنا ثقافتهم، الفن السابع أصبح ذا شأن يضاهى هوليوود في الهند وباكستان، في الوقت الذي تراجع فيه المسرح والسينما والفنون الشعبية بمصر، خمسين سنة وأكثر كانت كفيلة بحذف مصر من الساحة الثقافية المنافسة في كل المهرجانات الفنية.!


هذا التدهور التدريجى لم يقتصر على من هم قائمون على كل الأعمال الإبداعية التي لها علاقة مباشرة بالمتلقى، ولكن هناك هيئات تخلت عن دورها الرائد بسبب رئاستها من قبل أناس غير متخصصين؛ مثل دار الكتب والوثائق القومية، هذه الهيئة كما قلنا في المقال السابق، فقدت الكثير من مكانتها وموقعها في العالم العربى لكونها فريدة في العالم مثلها مثل مكتبة الكونجرس الأمريكية والمكتبة القومية في كندا، تحتوى على مخطوطات كثير من منها لم يتم تحقيقه حتى الآن؛ لأن الاهتمام بهذا المركز داخل الدار لم يجد من يهتم ويرعاه من قبل المسئولين خاصة عندما كانت هذه الهيئة تابعة لهيئة الكتاب التي هضمت حقوقها على مدى عشرين سنة وأكثر، إلى أن تم الإفراج عنها وفصلهما وأصبحت لها ميزانية خاصة بها.

منذ ذلك الفصل وحتى الآن، تعاقب على رئاستها خمسة رؤساء غير متخصصين في علوم المكتبات فلم ينهضوا بها بل تمت سرقة بعض المخطوطات المهمة، كما شب حريقان كبيران، تم من جرائهما تدمير كبير للمراجع والكتب.

أما عن فكرة التطوير والعمل بالتقنيات المعرفية والمكتبية الحديثة، فلم تلقَ أي استحسان عند رؤساء مجلس الإدارة، ولقد تم عرض مشروع الفهرسة أثناء النشر على كل من رأس الدار خاصة بعد تقديم دراسات الجدوى وكذلك الشرح التفصيلى للمنفعة الكبيرة من وراء هذا المشروع الذي لم يتم العمل به في البلدان العربية حتى سنة 2002، قبل أن تفكر كل من قطر والجزيرة العربية في إدخال المشروع لمكتباتهما الوطنية.

علمًا بأن هذا المشروع تعمل به مكتبات العالم منذ تسعينات القرن الماضى، كما أنهم يعملون بالداتا الخاصة بالفهرسة والتصنيف إلكترونيًا من السبعينات تخلصوا من الأدراج التي تضم مئات الآلاف من الكروت داخل الأدراج الخاصة بالفهارس، ونحن ما زلنا نعمل بهذه الطرق البدائية في المكتبة القومية، مع العلم بأن مكتبة القاهرة في الزمالك تعمل إلكترونيًا، مشروع الفهرسة أثناء وقبل النشر ربما تم تطبيق جزئية أو اثنتين منه في عهد الوزير السابق للوزارة أثناء رئاسته لدار الكتب، ولكن المشروع لم يكتمل بعد.

أما عن قسم الدوريات بالدار والتي تفتقر لمئات الدوريات العالمية والعربية، فمع ذلك ما زالت تعمل يدويًا مثلها مثل كل الإدارات بالدار من فهرسة وتصنيف وتزويد... إلخ. علمًا بأن عدد الدوريات العربية والعالمية التي تقتنيها الدار مئات وليس آلاف وهو عدد ضئيل مقياسا لما تقتنيه أي دار وطنية أوربية، ومع ذلك لم يتم التحديث بهذه الإدارة الحيوية التي لا تقل أهمية عن الكتب أو المكملة للباحثين والمفكرين لما لا يوجد بالكتب أحيانا، وكان يمكن لأى رئيس من الرؤساء الذين تناوبوا على الدار أن يعمل على تحديثها بواسطة التصوير بالميكروفيلم على الأقل مثلما فعلت كل من الأهرام والأخبار في مركز معلوماتها.

علمًا بأن مكتبة القاهرة لا تستخدم هذا النظام وأدخلت الدوريات على ( السيديهات ) بعد عمل داتا خاصة بها، فلماذا كل هذا التقصير وعدم مواكبة العصر وتجاهل التكنولوجيا من كل المسئولين الذين تعاقبوا على الدار.؟ ربما يجيبنا على ذلك وزير الثقافة بعد أن أصبح على رأس الثقافة المصرية ويعد من كبار المثقفين في العالم العربى.

أما بخصوص المكتبات العامة التابعة للدار والتي يبلغ عددها في القاهرة الكبرى ما لا يقل عن ستين مكتبة منتشرة في ضواحيها، فأغلبها لاتصلح بالمرة أن تفى بهذا الغرض، لقدم مبانيها وضيق مساحتها والكآبة الشديدة المميزة لمظهرها من الداخل والخارج، علاوة على الأثاث المهلهل وغير اللائق وغير المناسب لكونه من عشرات السنين؛ ما جعلها غير مريحة للجلوس أو منح القارئ راحة للجسد أو العين خاصة وأن الإضاءة تكاد ألا تكون، ومع ذلك قلما أن تجد في إحداها كمبيوتر واحدًا من أجل تسهيل العمل، فهى ما زالت تعمل يدويا.

وأنا أدعو معالى الوزير إلى زيارة أي مكتبة من هذه المكتبات العامة ليشاهد بنفسه مالم يريح النفس والعين، وكلنا أمل في عملية إصلاح سريعة مهما كلفت الدولة، لأن هذه الهيئة قبل أن تكون عربية فهى عالمية، فكم من دارس وباحث من البلاد الغربية يأتون قاصدين متعمدين، دار الكتب والوثائق المصرية.
وإلى لقاء آخر
Dr_hamdy@hotmail.com
الجريدة الرسمية