رئيس التحرير
عصام كامل

الكهرباء.. تآمر أم إهمال ؟


يقولون - إلى الآن - إنه ليس هناك أية شبهة جنائية فيما حدث من قطع للكهرباء؟ وإن العطل فني؟ والحقيقة أني أقدر تمامًا دور ومسئولية متخذ القرار عندما يتعامل مع أمور تتعلق بالرأي العام، لكنني أيضا أقدر شعور البسطاء ومعاناتهم وآلامهم. خاصة أني أعيشها معهم، سأحاول أن أتخيل السيناريوهات التي وقعت، وماذا يجب أن يكون الحل في كل احتمال، وهذا طبعا وفق فهمي ورؤيتي غير المتخصصة، لكنني أظن أن ما سأقوله هو ما يفكر فيه الكثيرون الآن.


السيناريو الأول: أن يكون السبب الحقيقي لما حدث من قطع كهرباء «تخريبيًا»، سواء بتخريب معدات أو بعمل مناورات خاطئة، وأيا كانت الطريقة، فلا سبيل لأن يحدث هذا إلا بوجود عناصر متآمرة في مراكز لصنع القرار قادرة على أن تقوم بما يؤدي لتعطيل الكهرباء بهذا القدر، أو عناصر في مواقع صغيرة لكنها متصلة ببعضها البعض، وقادرة على التنسيق مع بعضها بشكل يُحدث مثل هذا الخلل الجسيم.

يؤيد هذه الفرضية توقيت حدوث هذا القطع مع طرح شهادات استثمار قناة السويس وإقبال المواطنين عليها، وأنه يأتي عقب تحسن ملحوظ في قطع الكهرباء، وكأن المقصود هو إحراج شديد للحكومة في هذا التوقيت، لكن يعارض هذا الاحتمال عدم الإعلان عن أية أعمال تخريبية، رغم أن هذا الإعلان قد يكون فيه تخفيف من الضغط الشعبي، لكنه أيضا قد تكون دلالته الخارجية سيئة، إذن هذا الاحتمال لا يمكن تأكيده أو نفيه، لكن الأمر المؤكد أنه لن يتم دون مساعدة من داخل شبكة الكهرباء.

السيناريو الثاني: أن يكون السبب الحقيقي هو الإهمال وانعدام الكفاءة، وهو ما يعني أنه عندما حدثت مناورة تخفيف الأحمال المذكورة، لم يتم اتباع الإجراءات المقننة التي من شأنها أن تحافظ على كفاءة الشبكة، أو أن المحطات التي خرجت عن الخدمة مع تخفيف الأحمال كانت لديها مشكلات خاصة بها، ويؤيد هذه الفرضية الشدة المرتفعة للتيار عندما عادت الشبكة للعمل، وتذبذب الارتفاع والانخفاض بشكل أثر على الكثير من المعدات والأجهزة، فتذبذب التيار هو من المؤشرات على عدم القدرة على التحكم الجيد في كفاءة قدرات التوليد، وأيضا أن هذا هو السيناريو الرسمي المعلن من وزارة الكهرباء، وإن كان بشكل أخف حدة، يحاول أن يظهر الأمر وكأنه قضاء وقدر.

لكن تظل مصادفة حدوث هذا مع توقيت طرح شهادات استثمار قناة السويس، وبعد تحسن ملحوظ في الكهرباء، تنفي هذا الاحتمال، لكن أيضا المؤكد أنه لن يحدث إلا في ظل إهمال وعدم كفاءة في داخل شركات الكهرباء، أما مسألة القضاء والقدر فأعتقد أنها مستبعدة خاصة مع تحسن درجات الحرارة، وعدم وجود عواصف شمسية أو حرارة شديدة كما حدث في أيام سابقة.

إذن، فإن ما حدث إما أنه تخريب بتواطؤ مجموعة من المتآمرين، أو إهمال كنتيجة لانعدام الكفاءة والمسئولية. وكل واحدة من هذه لها حساباتها وتأثيرها في الرأي العام وفي العالم الخارجي، ولها تأثيرها على توازنات الاقتصاد – المتضرر في كل الأحوال - والرأي العام الداخلي أيضا.

لا حل إذن إلا بقيام حركة تطهير حقيقية، تطهر كافة مؤسسات الدولة من المتآمرين والمهملين، وقلت في أكثر من مقال إن المشكلة تكمن في المسئولين الصغار في الكثير من الأماكن، في الدرجات الوظيفية التي تبدأ من وكيل وزارة وما تحت، وهذه المناصب يجب أن يتم إحلالها فورا بقيادات شابة، من ناحية نُشعر الشباب بأنه قد جاء دورهم لتولي المسئولية، ومن ناحية أخرى نُحَرِّك الدماء في عروق المؤسسات، قد يكون لدى هذا الشباب تفكير مختلف، ولا بد من وضع قانون بتحديد عدد سنوات تولي المناصب القيادية، فلا يعقل أن يستمر شخص ما في موقعه إلى الأبد، يجدر أن تكون هناك خطة مدروسة في كافة قطاعات الدولة لخلخلة القيادات الصغيرة والكبيرة، وإيداع المتآمرين في أماكن لا تمكنهم من الإضرار بالمصلحة العامة، ويجب رفع كفاءة ضعاف المستوى، وتشديد الرقابة والمحاسبية على المهملين.

ليست مشكلة أننا عانينا في الأمس معاناة قاسية من هول انقطاع الكهرباء، لكنها ستكون مشكلة حقيقية لو أننا لم نخرج من هذه المعاناة بدروس مستفادة وقرارات حقيقية، وإجراءات فاعلة، المحاسبية، ورفع الكفاءة، وإحلال القيادات، ورفع روح الجدية والانضباط وغرس قيم الولاء والانتماء، هي ما يجب أن تُكرس له جميع الجهود الآن من وجهة نظري.
الجريدة الرسمية