رئيس التحرير
عصام كامل

الشاعر سيد حجاب: لا ٢٥ يناير مؤامرة ولا ٣٠ يونيو انقلاب

فيتو

  • قواعد السلفيين كانت موجودة في رابعة حتى عملية الفض 
  • القوى السياسية في مصر تمثل ٢٪ فقط من الشعب 
  • المصريون دخلوا مدرسة علوم السياسة والحياة
  • كل مقاعد الإسلام السياسي في الانتخابات السابقة حلم وزال
  • حزب النور غير دستورى ويحاول العودة بعقارب الساعة إلى الوراء 
  • منطق "اللي تعرفه أحسن من اللي ماتعرفوش" خرب البرلمان 
  • الوضع بعد 30 يونيو أكثر التباسًا
  • البرادعي «الخطيئة الكبرى» لثورة 30 يونيو 
  • خيرت الشاطر «بقال»
  • العالم الافتراضي وراء ضياع حلم الجماعة الإرهابية
  • مشروع أمريكا الإسلامي انهزم
  • مصر عصية على إرهاب «داعش»
  • الثقافة ستشهد ثورة حقيقية وضعت أساسها في الميدان
الشاعر القدير سيد حجاب.. لغته البسيطة تمتلك مرادفات كثيرة لـ"تحليل الواقع".. لا يتحدث بالنظريات.. يكتفي دائما بـ"رصد الواقع".. وبعد فترة طويلة من التأمل، تخرج كلماته لتحلل وتشرح الوضع بكل سهولة ويسر.. يرفض - رفضا قاطعا - الهجوم على 25 يناير.. ويحب 30 يونيو، وما بين الثورتين، يري أن جماعة الإخوان المسلمين، التي أدارت مصر على مدى عام، لم نتجح في فهم تركيبة وعقلية ونفسية ومزاج الشعب المصري.

"حجاب" بقدر تمكنه من "لغة الشعر".. وأكثر يتحدث في "السياسة" يؤكد -بما لا يدع مجالا للشك- أن من يتحدثون عن "تقسيم مصر" لا يعرفون أن "المحروسة عصية على التقسيم"، ويؤكد أيضا تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الإرهابي لا يتعدي كونه "دمية" في يد الإدارة الأمريكية، وعن تصوره لمستقبل التنظيم الإرهابي، وعلاقته بجماعة الإخوان وقضايا كثيرة كان الحوار التالي:


• في الذكرى الأولى على رحيل الإخوان.. كيف تفسر ضياع حلم ٨٠ عامًا للجماعة في الوصول لحكم مصر في عام واحد؟
تفسيري لهذا الأمر هي فكرة العالم الافتراضي والعالم الفعلي، فشبابنا الذي قام بثورة ٢٥ يناير بدأ تصوره للعالم من خلال عالمه الافتراضي، وهذا التصور مبني على أسس تعكس صورة العالم الواقعي، لذا استطاعوا عمل هذا التغيير العظيم في الثورة، والعكس تماما عند الإخوان، حيث كان لهم عالم افتراضي بمثابة سجن صنعه حسن البنا، هذا العالم صور لهم بأنهم جماعة المسلمين ومن خارجهم غير مسلم، وكذا اختزلوا القرآن الكريم في آية "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" حيث اختزل البنا الإسلام والمسلمين والقرآن في تلك الجماعة وبني عالما افتراضيا يجمعهم، وهذا منافٍ للعالم الحقيقي، وعندما خاضوا تجربة العالم الواقعي انكشف خوائهم وفقرهم وعجزهم وقلة حيلتهم وخيبتهم بشكل عام وبالتالي فشلوا، وبالتالي إذا كان العالم الافتراضي متسقًا مع الواقعي الذي تعيش فيه تستطيع أن تحقق ما تريد وإذا كان وهميًا في إطار الزمان والمكان فالتبعثر والتشرذم لا مفر منهما.

‫• وكيف ترى الاستمرار في الأعمال الإرهابية وإصرارهم على أنها أعمال لإعادة "الشرعية المغتصبة"؟
هذا العدوان من جانب الإخوان دليل على انكسار كبير، مثل المٌقامر الذي يخسر على طاولة القمار، فإذا كانت خسارته بسيطة يترك اللعب ويرحل، أما إذا كانت الخسارة ضخمة يستميت في اللعب ظنا منه أنه سيعوض خسارته، ولأنه يخشى الواقع فيما بعد حيث إن تلك الخسارة ستعرضهم إلى محاكمة فكرهم وتاريخهم وسلوكياتهم، لذا هم يخافون من ذلك، الأمر الذي ينقلهم من فشل إلى فشل أكبر.

• في رأيك هل يدخل تنظيم «داعش» مصر عن طريق جماعة الإخوان الإرهابية؟
أظن أن مصر عصية على التقسيم، فهذا الكيان الذي اسمه مصر وعمره آلاف السنين متناغم، وهناك نوع من التوافق المجتمعي بين مكونات الأمة المصرية، إضافة إلى قدر من الوحدة الوطنية التي تجمعهم فوق كل التقسيمات الدينية والطائفية والمذهبية، أيضا «داعش» في حقيقة الأمر دمية تحركها أمريكا والتي استخدمتها حينما وجدت أن مخططها يخرج عن السيطرة، فظلت تقتل في العراقيين بكل طوائفهم، في ظل صمت تام من جانب دول العالم تجاه تلك الأفعال الوحشية، ولكن حينما اعتدوا على كردستان نواه تقسيم العراق والطفل المدلل لدى أمريكا، ظهرت الإدانات من الأمم المتحدة والتسليح من ألمانيا وأوربا، وفي النهاية علينا أن نفهم أن العدو الرئيسي ليس داعش أو الإخوان، فهم مجرد أدوات في يد أمريكا، تسيرهم حسب احتياجاتها، وهذه القوى أظنها الآن تفكر بشكل مختلف بعدما انهزمت فكرتها في تسليم مصر لمن يسمون بالإسلاميين، انهزمت الفكرة أمام جيش وطني قوي ووحدة وطنية صلبة، فأمريكا تفكر في أشياء أخرى من المؤكد أن ليس من بينها داعش، لأنها تدرك أن قوة داعش أقل من القوة التي يتحلى بها الجيش والأمة المصرية.

• هل معنى ذلك أن مقولة «مصر مقبرة الغزاه» حقيقية؟
علينا أن نضيف إليها الآن الثورة المصرية في موجتها الأولى ٢٥ يناير وموجتها الثانية ٣٠ يونيو، حيث كانت بشارة لعالم إنساني مختلف، فنحن نعيش الآن عصر الرأسمالية المتهالكة والتي سعت إلى تحويل الأوطان إلى أسواق والبشر في العالم بأكمله إلى زبائن، فمشروع الشرق الأوسط بدأ يتراجع وفكرة السيطرة على مجموعة العبيد في الشرق الأوسط للانفراد بخيرات هذه الأرض انكسرت أيضًا.

• وما تفسيرك للمحاولات الدائمة لتشويه ثورة ٢٥ يناير؟
لأن الإخوان حاولوا الاعتداء على الدولة المصرية ومؤسساتها بدءا من القضاء والشرطة مرورا بالمؤسسة العسكرية والإعلام والثقافة، وليس فقط اعتداءً على المجتمع والهوية المصرية، إذ شنت عدوانها على تلك المؤسسات الجامعة للمصريين، ولكن الدولة انتفضت مع من خرجوا في ٣٠ يونيو، وعلينا أن نفهم أن جزءًا من هذه المؤسسات قد طاله الفساد وارتبط فكرا وسلوكا بالنظام السابق وبالتالي هم يرون الآن أن هذه هي فرصتهم لتصفية الحساب مع ثورة ٢٥ يناير لاستعادة النظام القديم.
وتقديري أن من يقول إن ٢٥ يناير مؤامرة و٣٠ يونيو انقلاب، هو شخص لا يفهم حقيقة ما حدث في مصر، وبعدم فهمه يخدم مصالح القوى الكبرى التي تحاول الالتفاف على ثورة الشعب المصري ومحاولات هزيمته والقضاء على دولته التي يحلم بها وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء إلى زمن مبارك، وأرى أن كل من يظن أن السيسي مبارك أو سادات يعملون ضد حساب الشعب المصري، وكل من يراه عبد الناصر لا يفهمون طبيعة ما حدث في ثورتي ٢٥، ٣٠، فالشعب الآن لا يبحث عن الزعيم الفرد وإنما عن الدولة التي تحقق أحلامه وطموحاته، لأن الظرف التاريخي والتحديات اختلفت تماما عن السابق.

‫• نحن على أعتاب انتخابات برلمانية.. كيف تقرأ خريطة البرلمان المقبل؟
المعركة حتى الآن تدار بعقلية النظام القديم للأسف الشديد، وتوضع القوانين بنفس العقلية، فهذه هي الطريقة المجربة، والتي انبتت طوال السنين تمثيلا مشوها للمصريين تحت المثل الشعبي "اللي تعرفه أحسن من اللي ماتعرفوش" ولكن هذا النمط أوصلنا في النهاية إلى الخراب مع نهاية حكم مبارك، لأنه لم يكن ممثلًا للشعب المصري، الآن نحن نحلم بتمثيل حقيقي في مجلس الشعب القادم، لأنه المنوط إبعاد النظر في منظومة القوانين التي ينبغي أن تتسق مع الدستور الذي توافق عليه المصريون، فلدينا منظومة قوانين تصل إلى ٦٣ ألف قانون بحاجة إلى تعديل من وجهة النظر الدستورية على الأقل، بالتالي يسعى أنصار الأحزاب القديمة من إخوان وحزب وطني وفلول ساكنة في قلب الدولة العميقة، لخلق تمثيل شائه في المرحلة القادمة، لكن أعتقد أن المصريين الذين أسقطوا رموز نظام مبارك بعد ٢٥ يناير قادرون على إسقاطهم جميعا رغم كل التشوهات الموجودة في قانون الانتخابات.
فالشعب المصري أثبت أنه أقوى من كل الأحزاب والقوى السياسية التي تمثل تقريبا ٢٪ وهم يضيعون في بحر الشعب الذي دخل مدرسة علوم السياسة والحياة وأصبح قادرًا على الفرز والاختيار ومواصلة حلم «العيش الحرية العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية».

‫‬• وهل تتفق مع الرأي القائل بأن الشعب غير مؤهل للديمقراطية؟
الأهم من الديمقراطية استقلال الإرادة، فليس علاج الأزمة المصرية الديمقراطية، لأن الأخيرة شكل سياسي لتبادل السلطة، واستقلال الإرادة المصرية أهم بكثير، فلابد أن نستقل عن القوى الأمريكية وهذا ما نحاول أن نفعله الآن، لأنه أهم من محاولة معادلة التأثير الأمريكي الغربي بالتأثير الروسي والصيني، وبالنسبة لمسألة التأهل للديمقراطية فالشعب المصري قدم الحل الأمثل لمشكلة الديمقراطية في العالم.

‫• وماذا عن السلفيين في الفترة المقبلة؟
السلفيون برجماتيون مثلهم مثل الإخوان، هم يحاولون أن يصوروا أنفسهم كأنهم تعلموا من الدرس، والحقيقة أنهم ما زالوا على نهجهم، وأعتقد أن كل المقاعد التي فاز بها الإسلام السياسي في الانتخابات السابقة كانت حلما وزال، فالواقع تغير والشعب المصري أدرك أن هذا الفكر لا يعبر عن العصر أو احتياجات المجتمع، أيضا ارتكب القائمون على الأمر بعد ثورة ٣٠ يونيو خطأ فادحا بإشراكهم بعض القوى في المشهد الذي رأيناه بعد الثورة، فكان ضروريا ألا يشترك في المشهد السياسي حزب النور، لأنهم لم يكونوا من القوى المشاركة في ثورة ٣٠ يونيو بل كانت قواعدهم موجودة في رابعة، أيضا تواجد القوى السياسية ممثلة في د. محمد البرادعي كانت خطيئة لا خطأ، فكان المشهد يخص ممثلي الشعب المصري من شباب «تمرد» ومن شارك في الثورة بالإضافة إلى الأزهر والكنيسة كممثلين لسلطة القيادات الروحية للأمة المصرية والقوات المسلحة والداخلية.
كما أن حزب النور ما زال قائمًا على أساس غير دستوري وبالتالي وجوده ومشاركته في الانتخابات ستكون مشاركة غير دستورية، والدور الذي يحاول أن يلعبه هو وبعض القوى في إطار الدولة العميقة يعود بعقارب الساعة إلى الوراء إما بالعودة إلى نظام مبارك أو الإخوان، وكل هذه المحاولات مصيرها فاشلة، نتيجة الوعي المتنامي عند الشعب. 

• كيف تقييم المشهد الثقافي المصري الآن؟
نحن على مشارف ثورة ثقافية حقيقية، وضعت أسسها في ميدان التحرير، برفض منظومة القيم الثقافية التي كانت موجودة سابقا، وإرساء منظومة جديدة قائمة على الوحدة الوطنية والحرية والعدل، حيث ظهرت تجلياتها أثناء ثورة الميدان، واستدعت ما يستحق من الغناء القديم من أعمال الشيخ أمام وأحمد فؤاد نجم وبليغ حمدي، أيضا هناك أشعار وأغنيات ولدت في الميدان، بالإضافة إلى تنشيط السينما الوثائقية والتسجيلية، وميلاد لعديد من الفرق الغنائية والمسرح الحر، وفن الجرافيتي الذي هدم الهوة بين البسطاء والفنون البصرية، ومشاهد تمثيلية ماركة "المحاكمة الشعبية لمبارك أو صرف العفريت" حيث تفجرت الطاقة الإبداعية الابتكارية لدى الشعب المصري بكل طوائفه.

• بعد ثورة 25 يناير حدثت دفقة شعرية وأدبية كبيرة لم نشهدها بعد ثورة 30 يونيو.. فلماذا؟
الوضع بعد 30 يونيو أكثر التباسًا، ففي يناير كانت هناك حالة من الإجماع الشعبي لرفض الفكر القديم، بعد 30 يونيو شارك بعض من أهل الفكر والثقافة القديمة في المشهد وهم الذين يحاولون فض شباب الثورة عنها وبالتالي يرتبك المشهد أمام أعيننا.

• بعض شعراء الفصحى يرون أن «شعر العامية» آفة الشعر العربى.. فما تعليقك؟
لا أعتقد ذلك، فيكفي أن من قدم ديواني الأول الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي، فعند الشعراء الحقيقيين الازدواج اللغوي لا يشكل مسألة مهمة، والمهم عندهم جميعا أن يكون ما يكتب أو يقرأ شعرًا حقيقيًا. ولكن من يرى أن شعر العامية آفة فهذا كلام أنسبه إلى أشباه وأنصاف شعراء.

• وهل يأتي الشعر في مرتبة تالية بعد الرواية؟
سادت تلك المقولة والتي أظنها خاطئة، على يد دعاة ما يسمون الحداثة وما بعد الحداثة، وأن هذا زمن الرواية وليس الشعر، ولكن الحقيقة أنه زمن فكر جديد، يعبر عن نفسه في تجليات وصيغ فنية مختلفة، فاحتياجات الإنسان لكل الفنون ما زال قائما وضروريا لقراءة الحياة وفهمها.

• في عام 2009 صرحت أن المثقفين خونة إذا انضموا إلى صفوف الدولة.. فما المقصود بذلك؟
المثقف في كل المجتمعات في أزمة حقيقية، لأنه ليس طرفًا مباشرًا في الصراع الطبقي، وبالتالي إذا فاز رءوس الدولة يستطيع أن يعمل، وإذا فاز طبقات الشعب يعمل معهم وهم بحاجة إليه، لأن بطبيعة انصرافه للعمل الذهني يصل للمعرفة قبل الآخرين، وحين تتوفر له المعرفة إما يوظفها لحساب ناسه أو لنفسه، وتمنحه قوة ونفوذا، حيث ينتمي لمن بيدهم سلطة الحكم والإدارة.
و لذلك رأينا طوال التاريخ عددًا كبيرًا يقترب من السلطة لخدمة أهداف السلطة للحصول على مكاسب ومغانم شخصية وفي نفس الوقت رأينا فنانين وكتاب شهداء تصل تضحيتهم بحياتهم، لأنهم يضعون ما يعرفون في خدمة الإنسانية.

• أسماء عندما تسمعها.. ماذا تتذكر؟
"أحمد فؤاد نجم" صوت لعب دورًا هامًا في الحركة الشعبية السياسية المصرية منذ فترة النكسة حتى رحيله وظل طوال تلك الفترة منتميا بفكره وأحلامه للشعب المصري، ومن المؤكد أننا خسرنا برحيله صوتًا هامًا في المرحلة المقبلة.
"عمار الشريعى" رفيق مشوار العمر، والذي قلت له في آخر قصيدتي له "وأنا بحضن ابنك مراد.. انحاش وضاع صوتي.. خايف يا صاحبي بموتك.. يبتدي موتي".
عمار بالنسبي إليّ كان الجملة الموسيقية لحياتي الشعرية وجمعتنا رؤى وأحلام وعشق للوطن والفن، وحققنا أشياء كثيرة مما حلمنا به.
"بليغ حمدي" قلت له في إهداء دواوين الأغاني التي انشرها له، "إلى بليغ حمدى.. كان حلم وراح"، فكان حلمًا عظيمًا لتجديد الموسيقى المصرية ولم يكتمل طريقه بالرحيل المبكر جدا.
"محمد مرسي" أتذكر المقولة الشائعة "أنت تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت".
"خيرت الشاطر" لا أجد كلمات له سوى أنه "بقال".
الجريدة الرسمية