رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

حكاية العمدة عبد الستار

فيتو


وقف العمدة عبد الستار خطيبا في أهالي الكفر الذين استغل وجود عدد كبير منهم متحلـقين حول جهاز التلفاز الجديد بقهوة سوكة العمشة انتظارا للمباراة المصيرية بين الأهلي والزمالك، بعد أن أمر فرجاني الدهل صبي المقهى بخفض الصوت تمهيدًا للكلمة المهمة التي سيلقيها على مسامع الحضور...


العمدة عبد الستار مرحبًا بأهالي الكفر: مرحب بيكم يا جماعتي ويا أهلي ويا ناسي ولا ملامة، الماتش هاسيبكم تشوفوه أول ما يبدأ بالسلامة، دي فرصة عظيمة جدا أحب أنتهزها عشان أكلمكم في مشروع الكفر القومي الجديد والحاضر يعلم الغايب يا اخونا..

وقبل أن يسترسل العمدة عبد الستار في خطبته العصماء إذا بالحاج شربيني الضمراني يستوقفه مقاطعا: معليش يابا العمدة إنت راجل متعلم ومستنور وربنا فاتح عليك من كله بسم الله ما شاء الله.. قبل ما تكمل كلامك اللي زي الفل ده ممكن تقول لنا يعني إيه مشروع قومي إلهي لا يسيئك ؟!!

العمدة عبد الستار، وقد أسقط في يده بعد هذا السؤال الذي لم يكن يتوقعه بعد أن تعود لطع مثل تلك الكلمات الفخمة الضخمة في أحاديثه وخطبه أيام العضوية الوراثية في مجالس الشعب المتعاقبة قبل قيام الثورة: مشروع قومي يا حاج شربيني يعني الناس لازم تقوم وهي بتعمله أومال... انت ما سمعتش الجدع اللي بيقول " قوم اقف وانت بتكلمني " ولا إيه ؟!! دا خير مثال على ضرورة القيام في المشاريع القومية، ورجاء يا جماعة اللي عايز يسأل سؤال تاني يبقى يرفع صباعه نتعلم النظام بقى.. ما علينا..كنا بنقول إيه اللهم صل ع النبي ؟؟.. أيوه.. كنت بكلمكم عن المشروع القومي الجديد اللي لازم كلكم تساهموا فيه عشان خير بلدكم وأولادكم.. واللي هو مشروع إنشاء طريق تاني غربي البلد يودي على مصنع "دق العصافير" العظيم اللي أنشأه جدي الخديو عبد الستار حدّاية الكبير أيام ما كان بيسعى للاستقلال عن الدولة العثمانية الظالمة، صحيح إن ده ما حصلش وبعتوا له إبراهيم باشا ظبطه وقضى على ثورته ومن ساعتها طلعوا عليه المثل الكاذب المعروف "الحداية عمرها ما بتحدّف كتاكيت" إلا أن المشروع العظيم فضل من يوميها رمز لبلدنا وكفرنا الجميل وكل الأجانب بييجوا من مصر مخصوص عشان يعدوا على المشروع العظيم ده ندق لهم عصافير على سداغهم البيضة اللي زي القشطة ويمولونا بالعملة الصعبة..

عبادة المرقوشي مقاطعًا العمدة ورافعا إصبعه دون أن ينتظر إذنا بالكلام: أومال إيه اللي حصل يا جناب العمدة السكة ضاقت ولا الطريق انقفل ؟!! وبعدين طول عمر الأجانب بيعدوا يدقوا عصافير في المصنع ولا البلد بتشوف منهم أبيض ولا أسود !! ولا حد بيتعين في المصنع ولا بيقدر يهوب ناحيته غير قرايبك ومعارفك يا عمدة إنت وشيخ الغفر، يقوم عايزنا ندفع في تمويل الطريق التاني اللي انت ناوي تعمله بأمارة إيه إن شاء الله ؟ دا اللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي يا حضرة العمدة ؟!! وبعدين جنابك من يوم ما مسكت وانت مطنش الكفر وساييه يضرب يقلب، طيب مش تشوف قطعان النور اللي موقف حالنا وهاري بدنا وتعمل لنا محطتين كهربا نساعدك فيهم يمكن يرحمونا من الغلب اللي إحنا فيه ده أولى ؟!!

العمدة ناظرًا إلى عبادة المرقوشي بعينين يطق منهما الشرار: أيوه هو ده الجهل بعينه اللي موديكم في داهية يا بلد.. ما هو انت عشان تاخد لازم تدفع يا خفيف.. أصلكم عالم اتعودتم تاكلوا ببلاش وتلغّوا في قتة محلولة، وانا من ساعة الباش مهندس ابن بهانة اللي متعلم برة ما جه من البعثة وشار على الشورة الجامدة دي وأنا شفت أن كلها خير ليكم ولعيالكم يا بلد ناكرة للجميل.. افهم يا بجم منك ليه.. الأجانب وهم رايحين الصعيد بيعدوا من الطريق القديم مزنوقين ومتسربعين عشان يلحقوا يدقوا عصافير ويكملوا رحلتهم، وهم راجعين بقى من الأقصر وأسوان شوف بقى كان قد إيه منهم بيتسرب من غير ما نستفيد منه عشان السكة القديمة ضيقة ومش مساعية أتوبيساتهم السياحية اللي واقفة ورا بعضيها فكانوا بيزهقوا ويمشوا بسرعة قبل ما نلحق ندق لهم العصافير ودا بيمثل خسارة جامدة جدا للكفر وناسه أهلي وحبايبي عشان كده السكة الجديدة هي الحل يا بلد كلها جهلة ومتخلفين وأعداء نفسهم.. فهمتم بقى..

أنهى العمدة عبد الستار كلمته بسرعة بعد أن لاحظ زومانا لم يعجبه من أهالي الكفر؛ فانتهز فرصة بداية مباراة الأهلي والزمالك وأخذ كرسيًا وجلس في آخر المقهى يتابع المباراة ويلاحظ ردود الأفعال، وبينما هو كذلك إذ أذاع التلفاز في الفاصل بين الشوطين إعلانا لشاب أصلع الرأس خفيف العقل مقبل على الزواج تعاتبه عروسته قائلة " ثلاجتين يا عبد الستار ومافيش أوضة نوم ؟!! ".. ثم تسحبه من رباط عنقه قائلة " ثلاجتين يا عبد الستار وما فيش عفش ؟!!.. ثلاجتين يا عبد الستار وما فيش حاجة خالص ؟!! " ليرد عليها بضكحة بلهاء جوفاء " سيبك انت الثلاجة الحلوة ما تتعوضش " لتتركه عروسه ذاهبة إلى غير رجعة قائلة " يا نضافة دماغك "، وبينما أخذ أهالي الكفر يضحكون على هذا الشاب الأبله الشنقيط حتى استلقوا على قفاهم، نظروا خلفهم فجأة ليجدوا أن العمدة عبد الستار قد أخذ ذيله في أسنانه متسحبا من المقهى دون أن يراه أحد مطلقا ساقاه للريح.
Advertisements
الجريدة الرسمية