رئيس التحرير
عصام كامل

الأخلاق في مصر.. مولد وصاحبه غايب

وزارة التربية والتعليم
وزارة التربية والتعليم

الأدب فضلوه على العلم وهو أهم من العلم ويسبقه في الأولوية، وبدون الأدب النابع من التربية الجيدة لا قيمة لعمل يحصل أو علم ينتفع به، ووزارة التعليم عندنا اسمها وزارة التربية والتعليم لأن التربية أساس وقوام المجتمعات، والحضارات تعرف بمقدار ما تملكه من عقائد وثوابت وصفات ومعايير تبني عليها تاريخها ومدنيتها وتوصف بالمتحضرة تبعًا لذلك، ونحن حين نريد أن ننعت شخصًا ما يحاورنا ونمتدح سلوكه أول ما يبدر إلى الذهن صفات الأخلاق فنقول "هذا ولد متربي – هذا رجل عنده أخلاق- هذه بنت متربيه – هذه امرأة محترمة) ولو أن أحدنا ملك الدنيا كلها علمًا ما فاده ذلك بشيء بدون تواضع وأخلاق ورغبه في نقل المعلومة وتعليمها للأخرين مثلما تعلمها هو ممن قبله، وحتى القرآن الكريم وكافة الأديان السماوية حثتنا على احترام أعراف المجتمعات، والعُرف في أي مجتمع هو محصلة ما توارثه من أوامر ونواهي وإثابة وعقاب تبعًا لما تربى عليه هذا المجتمع من أخلاق وقيم وعادات وتقاليد، ولذلك فالعُرف جزء من الدين ويكمله ولا يتعارض معه مطلقًا فالعُرف إنعكاس للفضيلة والخُلق الحميد.

بعيدًا عن الخوض المتعمق في تعريفات الأدب والأخلاق والعُرف، فهذه مصطلحات هناك من علماء اللغة من هو أقدر مني على شرحها لغويًا ولكني أريد هنا أن أعلق على تدني الأخلاق في المجتمع المصري وخاصة بعد ثورة 25 يناير وما شهدته من تدهور واضح في القيم والأخلاق حتى أننا كدنا نعتاد على الخطأ ولا نلقي له بالًا أو حتى نحاول رفضه ولو بقلوبنا فلقد أصبح المجتمع بلا رابط يربطه ولا حدود تمنعه من الحيد عن المسار السليم والطبيعي وتحول السلوك في الشارع وحتى في المدارس والتجمعات العامة إلى (مولد وصاحبه غايب)، وأهم ما يلفت الأنظار الآن هو الفجور في الرأي والعداء الشديد لكل موقف يخالف موقفنا حتى أننا سمحنا لأنفسنا بأن نطلق الأحكام ونصنف الناس حسبًا لأهوائنا، فهذا متطرف وهذا سلبي وهذا متشدق بالدين وهذا ظالم وهذا علماني وهذا كافر وهذا صالح وهذا طالح ونسينا أنفسنا من الحكم وكما قال الإمام الشافعي في ذلك "نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا..ونهجو ذا الزمان بغير ذنب ولو نطق الزمان لنا لهجانا..وليس الذئب يأكل لحم ذئب ويأكل بعضنا بعضًا عيانًا)، نعم تحولنا إلى ذئاب نأكل لحم بعضنا البعض ونعتقد أننا أبرياء، لسنا أبرياء ياسادة ولسنا أسوياء والآخرون هم المرضى، المجتمع كله مريض بداء قلة الأدب والتبجح وتسلط اللسان، بالتأكيد هذا التدني بدأ منذ بعيد ولكنه ظهر اليوم أكثر بعد أن شعر الجميع بشئ من الحرية المزيفة، أجل إنها الحرية المزيفة لأنها جعلتنا لا نحترم بعضنا بعضًا ولا نلتزم بحدود أخلاق مجتمعنا قبل أن نجبر غيرنا بالسير على نهج فكرنا، من قال لك أن رأيك هو الصواب وما دونه خطأ، هذا تفكير خاطئ، فقد قال قالها أيضًا الإمام الشافعي "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" وعليك أنت أن تأخذ بذلك وأن تتواضع إن كان لديك علم، فالعلم يدعو للتواضع وحُسن الأخلاق، ومن تمسك برأيه دون السماح للأخرين بالمناقشة وإبداء الرأي الآخر فهو جاهل أحمق متكبر، ولن ينهض المجتمع المصري إلا بالعودة للالتزام بالفضيلة والأخلاق مثلما كنا في السابق، فقد كان صغيرنا يُوقر كبيرنا وكبيرنا يحترم صغيرنا ويحنو عليه، وكنا نرى الاحترام في كل شيء وفي كل مكان، في البيت والشارع والمدرسة والعمل والمواصلات.

لابد من وجود إرادة قوية لدى الفرد والمجتمع لنعود إلى ماكنا عليه وللحكومة دور في إرساء ذلك من خلال تدعيم منظومة التعليم وتطعيم مدارسنا الابتدائية والإعدادية بمواد تساعد على عودة الأخلاق مثل إقرار مادة للأخلاق تدرس في تلك المدارس وتصاغ بشكل علمي حديث يواكب الحاضر والحداثه الحالية في الفكر والتفكير ويتناول تعليم مفاهيم الترابط الأسري والتواضع والتأدب وثقافة سماع الآخر واحترام آرائه واستيعاب المفهوم الصحيح للحرية وإكساب الطفل السلوكيات المتحضرة والحفاظ على البيئة وغير ذلك من القواعد الأساسية التي غابت عنا ونحتاج عودتها بشدة وللإعلام المسموع والمرئي والمنشور نفس الدور ولا يقل عنه أهمية للمساهمة في رفع مستوى الثقافة وإن شاء الله شعب مصر قادر على أن يُقوِم سلوكه بالشكل الذي يسير متوازيًا مع رغبتنا الملحة في التقدم والعبور إلى آفاق المستقبل.
Advertisements
الجريدة الرسمية