رئيس التحرير
عصام كامل

بطاقة الريِّس!


من الأمور التي تشغل بالى بشدة، وبدون أي وجه حق أو ضرورة مُلحَّة في الواقع، موضوع البطاقة الشخصية لرئيس الجمهورية، بغض النظر عن اسم الرئيس بالتحديد (هذا الموضوع كتبته مُنذ عام ونصف تقريبًا)، لكن هل يحمل رئيس الجمهورية بطاقة شخصية أو عائلية؟ قد يتحمس البعض ويؤكد أن الرئيس يحمل بالفعل بطاقة زى باقى الناس، لكن قبل هذا الحماس، يُطرح سؤال بالغ الأهمية: إيه فايدة البطاقة مع الرئيس؟!

لا أعتقد إن الرئيس ممكن في أي وقت يكون راكبا عربيته في الموكب بتاعه، تقوم لجنة توقفه وتقول: كله يطلع بطايقه، فيُخرجها متأففًا أو سعيدًا، أو يدوَّر عليها في جيب الجاكيت أو المحفظة، قبل أن يحمَرّ وجهه أو يسيل العرق على جبينه وهو يتطلع نحو عينى الضابط القاسيتين ويقول الإجابة المرتعشة الشهيرة:
ـ شكلى نسيتها في البيت يا باشا!

والبطاقة في مصر ليها استعمالات تانية غير إن الضابط يطلبها منك في الكمين، يعنى لما تروح أي مصلحة حكومية أو بنك أو مكتب بريد أو غيره، دائمًا ما يطلب منك الموظف تصوير البطاقة وِش وضَهر، والطبيعى جدًا إن بتاع مكنة التصوير دايمًا يكون عمال يلعب في المكنة وفاككها ميت حتة، ويوقفك جنبه ساعتين تلاتة على ما يصور لك البطاقة صورة متعرفش فيها وشَّها من ضَهرها، ولا وشَّك من قفاك، فهل يتوجه رئيس الجمهورية لأى مصلحة حكومية ويضطر زينا إنه يطلَّع البطاقة، ويُطلب منه تصويرها، ويروح يقف عند مكنة التصوير ساعتين تلاتة بحد أدنى علشان يصوَّرها، ده لو ربنا كرمه والكهربا مقطعتش!

أساسًا ليه يروح رئيس الجمهورية لمصلحة تطلب منه البطاقة الشخصية أو العائلية؟ أكيد الريِّس مش محتاج يطلع بطاقة تموين، أو يضيف مواليد عليها، ومش محتاج أكيد كمان إنه يقدم على قرض أو يروح يستقبل حوالة بريدية بعتوهاله أهله من البلد علشان تساعده على المعايش، أو يقدم شكوى في بتوع الكهربا علشان قراية العداد مش مطابقة لوصل النور، أو يطلب توصيلة من بتوع الغاز للسخان الجديد بدل ما يشغله على أنبوبة، كل ده مش معقول يطلع من الريِّس، وبالتالى إيه فايدة إنه يحمل بطاقة؟!

ناهيك عن إن ريسنا دايمًا وعلى مَر التاريخ بيتولى منصبه وهو متجوز، يعنى مش ممكن تحصل إنه يقعد وهو رئيس قدام المأذون علشان يكتب كتابه، والمأذون يطلب منه البطاقة، ولو ربنا رزقنا بريس عايز يتجوز تانى في السر أو العلن، وبفرض إنه قعد قدام المأذون، هل يجرؤ مولانا إنه يقول له: "بطاقتك يا عريس" أو "بطاقتك يا ريِّس"؟!

ثم إن إزاى الرئيس بجلالة قدره يروح يشترى استمارة الرقم القومى، ويقعد يضيَّع وقته الثمين ووقت الدولة في كتابتها، والبحث عن شهادة الميلاد، وشهادة المؤهل، وشهادة الجيش، وتوقيع اتنين موظفين في ديوان رياسة الجمهورية على الاستمارة للتدليل على إنه بيشتغل هناك؟!

ويروح يقدم ورقه بنفسه ويقف في الطابور ـ لو كنا في دولة مُحترمة ـ علشان يتصور الصورة الأبيض والأسود اللى شبه بتاعت سجن طُرة وأبو زعبل ووادى النطرون (سبحان الله على الصدف)، ويقعد قدام الراجل أبو كرش اللى بيصوَّر العالم (لازم يبقى بكرش وأتحداك)!

وتعالى هنا نتخيل الريِّس قاعد قدام أبو كرش، ويروح أبو كرش هابدة بصة مقرفة من بتوعه، ويقول له هات وشك كده شوية، لا وديه الناحية التانية شوية، ارفع دقنك، فتح عينيك، والمزيد من هذه التعليمات اللازمة لإتمام مُهمته الأثيرة والاحترافية في إضفاء المزيد من الخراب على وجه أي مسكين يفكر في استخراج بطاقة رقم قومى.. حد يقدر يكلم الريِّس كده؟!

وبعد 7 سنين، وممكن يكون الريِّس لسه ريِّس مين عارف، يكون مطلوبا منه يجدد البطاقة، خصوصًا بعد قال إيه ما يُقف تانى في كمين، والضابط يعنفه (بلاش يهزأه) علشان بطاقته خلصانة الصلاحية، أو يروح يصرف شيكا أو حوالة بريدية جاياله من البلد لزوم المعايش برضو، أو يعمل توكيلا في الشهر العقارى لمُحامى علشان يرفع له قضية أو يدافع عنه في قضية، يقومون يرفضون التعامل معاه، فيضطر يروح يجدد البطاقة، ويشترى استمارة جديدة، ويمضيها من جديد، ويقعد قدام نفس عين ذات الراجل أبو كرش، الذي سيتفنن في تشويهه بخبرة كُل السنين التي تضاعفت في السبع سنين دول بالتحديد!

المشكلة إنه لما يروح يجدد البطاقة، ممكن ربنا يوعده بموظف رخم يطلب منه صحيفة الحالة الجنائية، وتبقى مصيبة لو اكتشفوا إنه هربان من التجنيد، أو من حُكم، أو هربان من السجن مثلًا والعياذ بالله.. دى كانت أيام الله لا يرجعها يا أخى!
الجريدة الرسمية