رئيس التحرير
عصام كامل

حقوق الإنسان على الطريقة الأمريكية


لعل أصدق إيجاز للوضع الأمريكي المتردي، ما نشرته صحيفة Western Journalism، في أبريل الماضي، وخلصت فيه إلى أن "سياسة الرئيس أوباما دمرت العالم، وأفقدت واشنطن حليفا قويا مثل مصر، وإن اتفاق أوباما مع جماعة الإخوان على تحويل مصر إلى جمهورية إسلامية جعل القاهرة خصما لواشنطن، فضلا عن ثبوت تورط أمريكا في نشر التطرف والإرهاب في ليبيا وسورية والعراق وأيضا سيناء".

وأكدت الصحيفة على "أن الولايات المتحدة أصبحت أضعف من أي وقت مضى، منذ تولي أوباما الحكم، كما أن سياسته الخاطئة والمرتبكة جعلت الشرق الأوسط منطقة تعج بالاضطربات". ثم اتهمت الصحيفة الأمريكية أوباما وإدارته بالعجز عن تحقيق أي من أهدافهم، وأن نتائج سياستهم "كارثية" في المنطقة برمتها. 

هذا هو رأي الإعلام الأمريكي الديمقراطي في سياسة رئيسه "الأحمق"، الذي تسبب في أفول وانتهاء تأثير الولايات المتحدة.. أما رأيي الشخصي فيزيد كثيرا على ما سبق. ولكن أكتفي اليوم بما يخص قضية "حقوق الإنسان" باعتبارها موضوع الساعة وتكشف "العهر الأمريكي" على حقيقته.

نصب الرئيس الأمريكي نفسه شرطيا على الكرة الأرضية بلا سند أو مبرر، يهدد ويتوعد ويفرض عقوبات ويشن الحروب متى ما شاء وفي أي مكان بالعالم، تحت ذريعة حماية مصالح الولايات المتحدة والحفاظ على الأمن القومي، وربما أيضا فرض الديمقرطية المزعومة وما يتبعها من إشاعة الفوضى والقفز على ثوابت وسلطة الدولة، باستخدام شعارات زائفة لحقوق الإنسان عن طريق جمعيات ومنظمات سرية تمولها أمريكا وتتخذها منفذا للتدخل في أدق شئون دول العالم. 

ما أن تبدأ احتجاجات أو مظاهرات في أي مكان، حتى ينبري أوباما داعيا حكام هذه الدولة أو تلك إلى الاستماع إلى صوت الشعب وتلبية مطالبه العادلة. ثم يلجأ إلى فرض عقوبات حتى ينهار نظام الحكم في الدولة المعنية.. لكن عندما تتحرك مظاهرة سلمية في أمريكا يطالب أصحابها بالعدالة ويرفضون التمييز العنصري والعنف الأمني المفرط.. تبتلع الإدارة الأمريكية لسانها ولا ينبس أحد فيها بكلمة واحدة، وهنا يتجلى "العهر" الأمريكي وازدواج المعايير في التعاطي مع الأمور.

أمريكا التي تتغنى بحرية التعبير والديمقراطية والعدالة الناجزة وتسعى لفرضها عنوة على العالم. يختل لديها الميزان وتنسى القيم والمبادئ عند أول منعطف أو حادث يجري على أرضها.. فقد أوقفت الشرطة الأمريكية الشاب "الأسود" مايكل براون وأردته قتيلا بست رصاصات وهو "أعزل"، ومع احتجاج أهله أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع وأوسعت المحتجين ضربا، فانضم إليهم سكان المدينة من المتعاطفين والمتضررين من سوء الإدارة الأمريكية، ولجأت الشرطة إلى العنف المفرط وبدأت الفوضى والحرائق وقنابل المولوتوف والسرقة، وهكذا اضطرت ولاية ميزوري إلى استدعاء مزيد من القوات وفرض حظر التجول وإعلان حالة الطوارئ، وهي كلها إجراءات ترفضها أمريكا وتندد بها عندما تلجأ إليها دولة أخرى في مواجهة احتجاجات مسلحة وتخريب متعمد.

قوبل الشغب الأمريكي وعنف السلطة بصمت مطبق من دعاة حقوق الإنسان، ولم نسمع تعليقا واحدا من جمعيات ومنظمات حقوقية دولية، لم تتوقف عن التصريح والتنديد والتهديد تجاه الشاردة والواردة في مصر خلال السنوات الماضية. وأمام جرائم الشرطة، دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون السلطة الأمريكية إلى ضبط النفس واحترام حقوق المتظاهرين والصحفيين والالتزام بالمعايير الدولية للتجمع السلمي وحرية التعبير.. لم يعره أوباما اهتماما بل طلب من المحتجين في إطلالته الوحيدة "الهدوء والتفاهم". 

في المقابل كانت نافي بيلاي، المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، أكثر شجاعة حين أدانت الاستخدام المفرط للقوة، وقالت إنه لا توجد دولة في العالم لديها سجل مثالي لحقوق الإنسان، وأن الأمريكيين "السود" هم أفقر المواطنين وأكثرهم ضعفًا، ويشكلون غالبية النزلاء في سجون أمريكا المكتظة.

تحطمت الصورة الأمريكية البراقة وانكشف الواقع المؤلم على حقيقته، وأتمنى أن تنتهي قريبا الأكذوبة العالمية وأن ترتد عليها نيران طالما أشعلتها في العالم بالفتن والمؤامرات.
الجريدة الرسمية