رئيس التحرير
عصام كامل

الأزهر ووزارة الثقافة والدولة المدنية!


هل الدكتور جابر عصفور، والدكتور عباس شومان، لا يعرفان تليفونات بعضهم البعض؟.. أو هل يصعب عليهم أن يحددا موعدا يتناقشان فيه معا؟ أم الأسهل كتابة المقالات ضد بعضهم البعض؟ وكلٌّ يصور نفسه أنه يدافع عن فريقه؟ - هذا بافتراض أن الفريقين في حالة تناحر أو حتى افتراض أن هناك حالة توحد بين أفراد كل فريق- ولمصلحة من تصدير صورة وجود حالة صدام بين الأزهر ووزارة الثقافة؟

نحن جميعا في هذه المرحلة في خندق واحد، أو على الأقل هكذا يجب أن نكون، نقف في مواجهة المفاهيم التكفيرية التي تُزْهَقُ بسببها الأرواح، ويتهدد مستقبل التنمية.

الدخول الآن في أي نزاع جانبي لتحقيق أغراض حتى لو كانت أغراضا ثقافية أو مؤسساتية دينية، لا يليق على الأقل بممثلين رسميين لمؤسستين من مؤسسات الدولة، صحيح أننا نشتاق منذ حقبة الأربعينيات لعودة المعارك الفكرية التي كان انتهاؤها تعبيرا عن تجريف ثقافي مطبق، لكن لا يصح أن تصدر هذه المعارك بين مؤسسات الدولة وبعضها البعض، وعلى ألسنة ممثليها الرسميين.

أتمنى أن يكون هناك إطار من النقاش الجاد والعقلاني بين علماء الأزهر – الذين هم أيضا ليسوا كتلة واحدة من رأي مصمت، والداعين لحداثة ثقافية – والذين هم أيضا ليسوا كتلة واحدة من رأي مصمت. أتمنى أن ننهى قضية «هلامية الدولة المدنية» التي يتم محاربتها بسيف المفاهيم الثيوقراطية، وادعاء كل من الطرفين أن هذا هو الخير المبين، وإنهاء هذه الهلامية إلى تحقيق الدولة المدنية الحديثة، وهذا لن يكون سوى بنقاش جاد ومشروع جاد للتواصل والتلاقي.

أتمنى أن يتبنى كل من شيخ الأزهر، ووزير الثقافة مشروع حوار ومناظرات هدفه الخروج بتوافق وليس بغلبة لأحد على أحد، بين علماء الأزهر ودعاة تحديث الثقافة، على ألا تعرض نصوص هذه النقاشات أو تنقل أو يحضرها جمهور، وإنما يتم تقديم وثيقة نهائية تحدد مفهوم مرحلي لشكل الدولة المدنية وحسم قضية المرجعيات الحاكمة حتى لا تتعارض مع تطور الدولة. حتى لا ندخل كل فترة في صراعات للأسف لا تفيد بأي حال من الأحوال في مواجهة الإرهاب أو في تقدم الدولة.

هناك ملاحظات جوهرية لا بد أن يسمعها الأزهر من التيار الثقافي ويحللها ويعيها جيدا، دون أن يأخذ مثل هذا الأمر على أنه جُرْحٌ في كرامته، فالمتغير الزمني والتكنولوجي والإعلامي له ظلاله التي يجب أن يأخذها في الحسبان، ويكفي أن الأزهر لم يطلق حتى الآن قناته الفضائية التي كنا نعول عليها كثيرا في تقديم خطاب ديني مُجَدِّد.

وكذلك هناك ملاحظات جوهرية لا بد أن يسمعها المثقفون الذين نشعر من بعضهم أحيانا أنهم يتحدثون عن دولة ومجتمع غير المجتمع المصري ذي الطبيعة الدينية الخاصة والمميزة، والطبيعة الشعبية والحضارية المحيرة جدا أيضا، وعلى المثقفين أنفسهم أن يعترفوا بأن أية انطلاقة للتطوير لا تعي في جوانبها واقع المواطن المصري، وقدسية الدين في النفوس، هي انطلاقة زائفة لن تحقق دفعة حقيقية، بل ستوفر مزيدا من الدعم للأفكار الرجعية والمنغلقة.
الجريدة الرسمية