رئيس التحرير
عصام كامل

اللواء عادل سليمان: الإخوان باقون 50 سنة فى حكم مصر

فيتو

أكد اللواء الدكتور عادل سليمان المدير التنفيذى للمركز الدولى للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، أن الأوضاع فى مصر تشير إلى استمرار تيارات الإسلام السياسى وتصدرها المشهد فى مصر حتى 50 سنة، فى ظل غياب قوى معارضة حقيقية على الأرض، وعدم وجود بديل فعلى للتيار الإسلامى، ليحل محلّه، معتبرًا أن التيارات السياسية الأخرى الآن ليست لها قوة فعلية على الأرض.


"فيتو" التقت سليمان فى حوار خاص لقراءة المشهد المصرى الداخلى والخارجى، وبدأ حديثه قائلًا "العالم يضحك علينا من موقف النخب، وما تقوم به الآن فى مصر"..

>  لماذا؟
- من العك الحاصل فى مصر.. فليست لدينا معارضة حقيقية، لدينا أناس تعترض، وليست لدينا على أرض الواقع معارضة حقيقية فى مصر.
> وما الآليات الفعلية لوجود معارضة حقيقية؟
- أن تكون معارضة سياسية منظَّمة، لديها قواعد شعبية ترتكز وتستند إليها، ولها برنامج وخطة وأهداف وانتقادات موضوعية وهدف تنتقل منه للسلطة حتى تطبّق برامجها، ولها ناس فى الشارع، وزخم شعبى معين، بقدر معين، وتكون دخلت الانتخابات وحدَّدت قوتها السياسية، لكن عدا ذلك فليست هناك قوى سياسية، فالقوى السياسية لا تتحدد سوى عبر الانتخابات.
> هل يمكن عبر الانتخابات السابقة أن نتحدَّث عن مؤشرات لهذه القوى؟
- آخر انتخابات برلمانية جرت كانت فى ظروف خاصة جدًّا، كانت الناس ما زالت فى زخم الحالة الثورية، وأحكامهم ليست على درجة عالية من النضج، إضافة إلى أن أغلب المتقدمين لم يكونوا معروفين لدى الشارع، وانتخبوهم على الشعارات التى كانوا يطلقونها، لكن الناس لم يكونوا قد احتكوا بهم، لذلك لا يمكن أن أعتبرها تجربة قام بها الناس.
> وماذا عن الانتخابات الرئاسية؟
- هى الأخرى تمت فى ظروف معينة، ولا يمكن أخذها كمقياس لتوجهات الرأى العام المصرى، أو توجهات الشارع الحقيقية، فهى أيضًا تمت فى ظل استقطابات بعينها، وحشد، وهى ظروف غير عادية للانتخابات، وما نعيشه الآن يشهد كذلك استقطابات كثيرة فى الشارع، لذا فهى أيضًا لا يمكن القياس عليها، ولا يمكن القول بأن وزن "فلان" هو عدد الأصوات التى أخذها فى الانتخابات الرئاسية الماضية، فلو نزل نفس الشخص فى انتخابات جديدة، وكان حصل على "4 ملايين" صوت فى الانتخابات الماضية يمكن أن يحصل على 500 صوت فقط حاليًا.
> تقصد بذلك الرئيس مرسى أو غيره؟
- أتكلم عن كل الناس، لا أقصد شخصًا بعينه، الرئيس مرسى يفرق عن البقية، وهناك شخصان فقط كانا يشكّلان فرقًا فى الانتخابات الرئاسية الماضية، وهما اللذان كان وراءهما ما يمكن أن نسميه تنظيمًا، أو كتلًا تعمل فى الشارع، وهما "مرشح الإخوان" أيًّا كان، فأنا لا أركز على الشخص ولكن على التكتل كمرشح للإخوان، أيًّا كان مرسى، علِى، حسن، لأن وراءه تنظيمًا فى الشارع، ومرشح ما اصطلح على تسميته بـ"الفلول"، وهو وراءه تنظيم فى الشارع، أحمد شفيق.. أما البقية فأخذوا الأصوات بالتعاطف الشخصى والظروف الاستثنائية التى كانت قائمة، لذا وجدنا أنه لم يصل للإعادة سوى الاثنين اللذين كانا يقف خلفهما تنظيم الحزب الوطنى برجال أعماله وتنظيمه، ولا يهم شخصه، و"الإخوان" بتنظيمها.
> وهل حتى الآن لا ترى أن هناك سوى هاتين القوتين؟
لا، هناك قوة منهما فُتِّتت، وهى قوة الفلول والحزب الوطنى، لأنهم وبطبيعة اعتمادهم على الأموال التى نهبوها من الشعب خلال السنوات الطويلة التى مضت، وجزء كبير منهم صرف ولم يكسب، فهو متخوف من صرف أموال من جديد، فتراجع منهم كثيرون، ولم يبقَ منهم على استعداد للصرف من جديد سوى عدد قليل، ثم الدعوات التى اعتبرها "ذكية" من بعض القوى بالمصالحة، وأنه ليس كل من كان فى الحزب الوطنى سيئًا، وأن لديكم فرصة، وهذا أيضًا عمل على تكسير حركتهم، وهذا أرى فيه نوعًا من الذكاء السياسى.
إنما تبقى تنظيمات الشارع التى وراءها قوة فى الشارع، وأقصد بها تنظيم الإخوان والسلفيين والجماعات الإسلامية.
> ماذا عن جبهة الإنقاذ الوطنى؟
لا، هى جبهة تسلية وطنية، أو أى شىء آخر غير القوة، فهى عبارة عن مجموعة أشخاص، وليست لها قوة حقيقية فى الشارع.
> وماذا عن الثوار؟
- الثوار الحقيقيون تفرَّغوا لأعمالهم وتركوا الساحة، ومنهم مَن سافر أو هاجر، ومَن تم إغراؤه بوظائف فى الإعلام أو غير ذلك، ورحلوا عن الساحة.. وأنا أتكلَّم هنا عن الثوار الحقيقيين.
> تقول "سافروا أو هاجروا".. فقدوا الأمل؟
- لا، لم يفقدوا الأمل، هم رأوا أنهم قدَّموا ما بأيديهم، وأن دورهم كان تفجير الثورة لا بناء نظام سياسى جديد.
> مجمل حديثك اتهام واضح لقوى المعارضة المصرية؟
- ليست هناك قوى معارضة أصلًا، أنا متحفّظ بالأساس على كلمة "قوى"، فالقوى تحدّدها الانتخابات، فحتى أقول قوى سياسية لا بد أن آتى بنتيجة الانتخابات البرلمانية، وأقول إنك أخذت فى البرلمان 7% من المقاعد، فتكون قوتك السياسية 7%، وهكذا، فإذا لم تحصل على كرسى، فيكون ليس من حقِّك الحديث، فالقائم هو تيار سياسى يحاول الترويج لنفسه.
> إذن، الإخوان من المنتظر برأيك أن يشكِّلوا الأغلبية فى البرلمان القادم؟
- التيار الإسلامى عمومًا، بتنوعاته، ثم يتآلفوا.
> لك رأى بأن التيارات الإسلامية ستظل هى المتصدرة للمشهد؟
- نعم، وبرأيى سيظلون حتى 30 أو 40 أو حتى 50 سنة.
> أى أنهم سيظلون على الكرسى كل هذا الوقت؟
- ليست مسألة كرسى.. الناس فى الشارع تريد هذا التيار، ولم نكن من قبل معتادين كلمة الناس تريد هذا.
> وفى رأيك، لماذا يريدونه الناس؟
- ليس لديهم غيره.
> وكيف يمكن أن يصبح لنا غيره على الأرض؟
- بالعمل، وأن يحصل نوع من الطفرة الاجتماعية والثقافية، وبغير هذا، فكما قلت لن يحدث التغيير.
> إذن، فأين هى النخبة الفعلية فى مصر؟
- مجرد ظاهرة صوتية.
> نأتى إلى ملف العلاقات الخارجية المصرية، وهى دولة محورية مهمة فى المنطقة.. كيف ترى هذا الملف الآن؟
- مصر ليس بإرادتها أنها قوة إقليمية محورية، هذا بحكم حقائق الجغرافيا السياسية والاستراتيجية، وبحكم التاريخ، كلها أمور فرضت عليها هذا الدور، واختفت لمدة طويلة، لكنها لم تنتهِ، لأنها لا يمكن أن تنتهى، فالنظام القائم فى السابق غطى على دورها، لكن المنطقة هى التى أدركت الآن حاجتها لمصر، ومصر كانت فى السابق تحاول فرض نفسها، لكن الآن المنطقة أدركت أنها بحاجة لعودة مصر لعمل التوازن فى المنطقة، فالدور المصرى سيعود، ليس لأن المصريين يريدون هذا، أو لأن النظام يريده، ولكن لأن ظروف التوازنات للمصالح فى المنطقة وفى الإقليم وعلى المستوى الدولى تحتاج مصر، حتى لو لم تُرِد مصر.
> لكننا نرى تحليلات ورؤى حول دول بعينها، خصوصًا فى الخليج تريد الانقضاض على هذا الدور المحورى لمصر؟
- كل هذا كلام لا قيمة له، لأن القوة ليست بالإرادة فحسب، وصحيح أن هناك عناصر جديدة الآن للتأثير كالإعلام، والوسائط الحديثة، وهذه من عناصر القوة الحديثة لأى دولة، لكن هذا لا ينفى القوة الصلبة الرسمية للدولة، ومن ثم فهذا ليس أكثر من مجرد كلام.
> وبرأيك ما الدور الذى تلعبه قطر فى المنطقة بشكل عام، وبالنسبة إلى مصر بشكل خاص؟
- لا شىء، هى تلعب دورًا إعلاميًا، عبر امتلاكها وسائل الإعلام القوية، وهى اختارت عبر قوتها الناعمة "إعلام واستثمار" أن تكون فى وضع مؤيد للثورات الشعبية، أو التغييرات.
> وماذا عن الأموال القطرية والأحاديث المستمرة عن دورها أو حضورها؟
- وما إشكالية الأموال.
> عادة ما يقال إن الأموال التى تدفع تقدم لأغراض؟
- هذا الأمر تقوم به "أمريكا" لا قطر.
> والبعض أيضًا يقول: إن قطر هى ذراع أمريكا فى المنطقة؟
- أمريكا لا تحتاج إلى أذرع، أمريكا تعطينا الأموال، وتمولنا بالأسلحة، فهى ليست بحاجة إلى ذراع، ولا قوة ضاغطة.
> برأيك ما السبب فى الإشكالية الأخيرة التى جرت بين مصر وبعض دول الخليج كـ"الإمارات"؟
- هى الإمارات فقط.
> دخلت فى الخط فى ما بعد الكويت؟
- لا، الكويت أمر مختلف، فالإمارات لها وضع خاص، لها مصالحها، وهى كانت على علاقة وثيقة جدًا بحسنى مبارك ورجاله ونظامه، وهو كان مستودع أموالهم، فأموال مصر المهربة ليست فى أوروبا، أموال مصر المهربة فى الإمارات، وكانت لهم علاقة وثيقة جدًّا مع مبارك ونظامه وأتباعه ومخابراته، وبعد سقوطه أصبحت الإمارات وعلاقاتها مهددة، فالإمارات ليست دولة هى "شركة" ولديهم قواعد أمريكية هناك، وجزرهم تحتلها إيران، وهم فى نفس الوقت أكبر شريك تجارى لإيران الآن، وكذا الأمر بالنسبة لدول الخليج، فكلها على أحسن حال فى علاقاتها مع إيران، وأريد أن تسمى لى دولة قطعت علاقاتها مع إيران أو دولة من "الخليج" ليس لها سفير فى طهران.
> لِمَ إذن خرجت التخوفات الخليجية بعد الثورة، وبعد الحديث عن عودة العلاقات مع إيران؟
- نوع من أنواع الضغوط ليس أكثر من ذلك، لكن أطلب منهم قطع علاقاتهم مع إيران، فلن تجد أى رد.
> عودة لموضوع الإمارات؟
- نعم هذا جانب، وهو الجانب المهم فى الموضوع، فأى من رجال مبارك يهرب من مصر للإمارات، وهو ما يحتاج تفسيرًا، الجزء الثانى لماذا تريد قطر الاستثمار فى القناة.. وهذا موضوع بسيط جدًا وهو من قبل 25 يناير، فقطر أكبر منتج للغاز فى العالم، فالخدمات اللوجيستية لقطر، وأقصر طريق ويجعله منافسًا فى السوق العالمى، هو القدوم عن طريق مصر، وأن تتم الخدمات اللوجيستية لها فى منطقة شرق التفريعة، فى بورسعيد والسويس، وبالتالى هى مسألة اقتصادية بحتة، فعندما تأتى قطر لتمويل مشروعات فى قناة السويس، فهى تعمل لمصلحتها التجارية البحتة، وبالمناسبة فهناك تعاون بين هيئة قناة السويس منذ 6 سنوات.
> إذن، هو استثمار وليس شراء حقوق؟
- أى شراء حقوق.. وهل هناك بلاد تباع!
> إذا كنت ترى أنه لا توجد بلاد تباع، فماذا عما كان يحدث فى سيناء والحديث عن توطين الفلسطينيين؟
- هو نوع من أنواع التخاريف.
> ولِمَ رأينا قرار السيسى الذى خرج فجأة؟
- ومن قال إنه خرج فجأة، هذه القرارات منذ 30 سنة، من وقت معاهدة السلام، لكننا ننسى.
> انتقادات كبيرة لدور الخارجية بالملف الإماراتى وغيره؟
- كل مؤسسات الدولة بما فيها الخارجية فى حالة عدم اتزان.
> البعض يقول بخروج الملفات الخارجية من الوزارة لتلحق بالرئاسة؟
- وهل كان ملف الخارجية فيها من قبل أصلًا؟ الملف كله كان من قبل عند عمر سليمان.
> والآن هو عند عصام الحداد؟
- الله أعلم، لا أستطيع القول بذلك.. لكن فى ما قبل كان الملف بيد عمر سليمان كما هو معروف.
> أمور بعينها كانت لديه؟
- وما البقية، حفلات واستقبالات!
> برأيك كيف تستعيد الخارجية دورها؟
- ليست الخارجية فقط، كل مؤسسات الدولة، وهذا ما نحتاج فيه نوعًا من الهدوء والتوعية السياسية.. ما جرى فى 25 يناير 2011 وما تلاها هو تصدع النظام، لكنه لم يسقط.. وأنا هنا أتكلم عن النظام، ولا أتكلم عن الدولة لأن الدولة المصرية لا تسقط، وعلى 7 آلاف سنة استمرت قائمة، والنظام السياسى الاقتصادى المتصدع لم يسقط، ولم نعمل على أى شىء، لا يؤدى دوره، ولا بدأنا نعمل على بناء نظام سياسى جديد، كل وزارات الدولة هى نفس الحال، وكل مؤسسات الدولة.
القوى المعارضة للتغيير تحاول أن يستمر الوضع على ما هو عليه، النظام متصدع، ولكن لن نبنى غيره، وسنتركها كما هى.
> عودة للحال العربى، والحديث المستمر عن "سايكس بيكو" جديدة تلوح فى الأفق.. هل أنت مع ذلك؟
- الحقيقة أن هناك فهمًا خاطئًا لسايكس بيكو، القديمة، ومن ثَم فنحن نقيس على فهم خاطئ بالأساس.
> وما الصحيح فيها؟
- الصحيح أنها لم تقسم العالم العربى.. بالعكس، العالم لم يكن فيه شىء اسمه العالم العربى، كان هناك ما اسمه السلطنة أو الإمبراطورية العثمانية، وكانت المنطقة عبارة عن مجموعة ولايات عثمانية، الدولة الوحيدة التى كانت موجودة فى ظل الولايات العثمانية هى مصر، لأن هذا كيانها الأساسى منذ البداية، لذا كان اسمها خديوية.
> وبالتالى من الصعب بأى حال تقسيم مصر؟
- لا لا، كل هذا كلام فارغ، لناس تافهة، لا فاهمة ولا دارسة الحالة، فمصر دولة معروف حدودها منذ 7 آلاف سنة، حدودها الشرقية معروفة ببوابة رفح، والجنوبية بحلايب وشلاتين.
> سايكس بيكو لم تقسم لكنها جمعت.. لم تكن هناك دول، عودوا للتاريخ، إقليم العراق، التاريخ لم يكن فيه العراق كدولة، لكنه جمعهم، كإقليم العراق القديم الآشورى، ولاية يافا، حيفا قائمقامية غزة، وقائمقامية بئر سبع، نجمعهم ونقول "فلسطين" وفقًا للتسمية القديمة، وحتى السعودية كانت ثلاث ولايات، نحن بحاجة لمزيد من الفهم، فسايكس بيكو لم تقسم الوطن العربى، لكنها قامت بإعادة تنظيم، فماذا يحدث الآن إذن؟
- البعض الآن يبكى على أنقاض الدولة العثمانية ومجدها القديم، ويأملون عودتها.. ويعتبرون سايكس بيكو قسم هذه الدولة؟
الدولة العثمانية انهارت ودخلت فى عصور الظلام قبل انهيارها بـ200 سنة.
> هل يمكن أن تعود من جديد؟
- إطلاقًا، فهذه النظم انتهت منذ فترة، فهل يمكن أن تعود الدولة الرومانية والإغريقية؟ هذه الأمور أصبحت من التاريخ ولا يمكن عودتها.

الجريدة الرسمية