رئيس التحرير
عصام كامل

الضحية السيساوية رقم 1000 للتعذيب بقسم المطرية


منذ 10 سنوات ومع اهتمامى بملف ضحايا التعذيب والاعتقال والاختفاء القسرى، أستمع إلى نفس الروايات المتشابهة والوقائع المتطابقة حول أسباب سقوط ضحايا أبرياء داخل أقسام شرطة ومقار احتجاز سيئة السمعة، وفقدان ذويهم الحق في محاكمة متهمين حقيقيين بقتلهم، وإخفاء كافة الشهود أسرار وتفاصيل جرائم الاعتداء عليهم، وتسبب إجراءات التحقيق في غلق ملفات القضايا دون تحديد متهم، أو ربما تقديمه إلى ساحة البراءة بعد فقدان الأمل في استكمال الأدلة ضده.


الضحية الجديدة هو أحمد طلعت حسين، وقسم الشرطة سيئ السمعة كعادته وحسب تقارير مجلس حقوق الإنسان ومنظمات حقوقية، هو قسم شرطة المطرية، الذي ارتبطت عملية حرقه في أحداث 28 يناير 2011 بأسباب شتى، بعضها بدافع الانتقام من صلف وغباء وحماقة ضباطه وإمبراطورية الأمناء من حولهم، والآخر بترتيبات خفية تحكم علاقات الفاسدين والمفسدين مع مافيا التجارة غير المشروعة في أشياء عديدة، وما يدعم هذه المافيا من جيوش مسلحة للبلطجية لا تزال تحيا وتنمو في أحضان تجار الدين والمخدرات والسلاح والآثار، ربما الكل شاهد على نشاطها لكنه صامت عن جرائمها خوفًا أو طمعًا.

أحمد طلعت حسين - 28 سنة - مساعد مدير بشركة مأكولات كبرى بمدينة نصر، ويسكن بالمطرية – من عائلة سيساوية تمامًا، استيقظ يوم الجمعة الثامن من أغسطس لعقد قرانه، إلا أن نهايته كانت داخل قسم شرطة المطرية يوم الأحد الماضى الموافق 17 أغسطس 2014، بعد حدوتة قمة السخافة، أبطالها متهم بسرقة دراجته البخارية وضباط وأمين شرطة يردد أهل الضحية أنهم لفقوا له وأشقائه قضايا حيازة طلقات خرطوش وأسلحة بيضاء، ردًا على قيامهم باسترداد دراجته المسروقة، ورفضه إهانة ضابط معروف بالصلف والتكبر والتجبر، له ولأمه، بعد ساعات من رفضه وزميله الضابط المتعجرف، تحرير محضر ضد المتهم بالسرقة ونُصحهما له بالاعتماد على نفسه والقبض عليه وإحضاره إلى ديوان القسم، لأن قوة الشرطة مشغولة في فض مظاهرات الإخوان والتعامل مع عصابات الجماعة المسلحة.

رواية السيدة عزة إبراهيم على، خالة الضحية، وشقيقه، وزوجته، وعدد من أبناء الدائرة لى، لا أستطيع أن أستنتج منها أكثر مما طالعته من قبل في عشرات القضايا المتشابهة التي مرت على في زمن جبروت شرطة حبيب العادلى، لا فك الله أسره، فوقتما يكون لطرف في معركة علاقة بأمين شرطة غير أمين، تكون النتيجة أخذ البريء والمدان إلى معمعة المحاضر وربما التلفيق، وصولًا إلى صيغة انتقام من الأول حال رفضه التصالح والتنازل عن حقوقه، وإذا تأزمت الأمور فلا خسارة كبيرة إذا دفع حياته ثمنًا لاستهزاء ضابط يعذبه انتقامًا أو تسلية، أو يرفض نقله من مكان احتجاز واحد يجمعه بخصمه.

خرجت جثة "أحمد" الأحد الماضى، من قسم شرطة المطرية، منقولة إلى المستشفى التعليمى في سيارة شرطة "بوكس"، والكلام لخالته، هناك أقر القائمون على إسعافه بوصوله ميتًا بالأساس، بينما يؤكد أهله أن إخطارهم بوفاته أتى عن طريق خصومه في القضية، وأنه كان يعانى الأمرين من سوء معاملة خصمه له داخل الحجز، وكذا ضباط القسم، وأن المحتجزين معه يكررون لأهله رواية عقيمة متطابقة حول سيناريو وفاته، مفادها أن حرارته ارتفعت داخل الحجز فجأة وسقط على الأرض قبل أن يحمله الضباط والأمناء إلى المستشفى، رغم أنه في قمة شبابه وصحته ويتمتع بجسم رياضى، بينما أهله يؤكدون رصدهم بالأعين آثار كدمات وإصابات بالساق والركبة والصدر والرقبة، جعلت رئيس النيابة يشك في وفاته ويستدعى الطب الشرعى لتشريح الجثة وكتابة تقرير الصفة التشريحية الذي لم يصدر حتى الآن.

المفارقة أن اليوم السابق على وفاة "أحمد" شهد بلاغًا من أهله، والكلام لخالته، إلى النائب العام حمل رقم 16556 لسنة 2014 بتاريخ 16 أغسطس، صادر برقم 2039 لنيابة شرق، للتحقيق مع ضباط القسم في اتهامات لهم بإساءة معاملته والإصرار على احتجازه مع خصمه الخطر، وكذا تلفيق القضايا له، علمًا بأنها المرة الأولى التي يدخل فيها قسم شرطة، والكارثة أنها تمت بعد ساعات من عقد قرانه لتلطم زوجته الشابة خديها حسرة عليه وعلى حظها.

أما المفارقة الأسوأ، فهى دخول الجماعة الإرهابية المتلاعبة بأعصاب شرطة المطرية، طرفًا في القضية، بادعائها أن "أحمد" من بين ضحاياها، فيما لم يخجل مراسلو "جزيرتها المشبوهة" من الذهاب لأهله طلبًا لصوره واختلاق روايات تدعم أكاذيبهم حول الواقعة، ليتاجروا بدمه ويقبضون الثمن من كشك الإعلام القطرى.

كم من الأبرياء دخلوا قسم شرطة المطرية خلال سنوات ما قبل وبعد ثورتى يناير ويونيو، وما كان لهم أن يخرجوا إلا معاقين أو موتى، والشهيد أحمد طلعت حسين لن يكون آخر هؤلاء، طالما ظلت المنظومة الشرطية بلا موقف جاد لإصلاحها من قبل النظام السياسي والمؤسسة التشريعية، وبلا رقابة قضائية على أفعال رجالها، وإلا فنحن في انتظار الضحية السيساوية رقم 1000 داخل هذه السلخانة، التي لم يفلح حماتها في صون أمن المجتمع من إرهاب الإخوان، ولا حماية أرواح ضيوف في حيازتهم داخل 4 جدران مغلقة تخضع لمنطقة نفوذهم.. وللحديث عن أبرياء وضحايا جدد داخل هذا القسم بقية.
الجريدة الرسمية