رئيس التحرير
عصام كامل

الثقة في الوعود والعهود‏


من منا لا يبذل من الجهد والوقت الكثير لكى يقنع الآخرين بصدق كلمته والتزامه بها، والذي تربى عليه من الصغر وكان من قيمه الأساسية التي لا يعرف أن يحيد عنها، ولكن الناس من كثرة ما تعودوا على الغدر حتى من أقرب المقربين إليهم في مجتمع اتجه البعض فيه إلى الأنانية والمصالح، كان من نتائجه أن فقد الناس ثقتهم في بعضهم وتوقعوا السوء بدلا من توقع الحسنى، وتطلب ذلك أن اختفت تقريبا العهود والوعود والالتزام بالكلمة، وأصبح توقع التخلف عن الوفاء بالكلمة هو أساس المعاملات.


وحتى إن التزم الفرد بالكلمة لم يكن شيئا متوقعا وإنما يعتبر شيئا غريبا؛ ولذلك يتوقع الآخرون أن هذا الالتزام خلا من الغدر هذه المرة ولكن سيعقبه الغدر المرة القادمة، وأن هناك شيئًا يثير القلق من جانب فرد يلتزم بكلمته وما هو أهدافه من وراء التزامه بوعده هذه المرة.

ألتمس لهؤلاء العذر، ففي الحالة الأولى لابد أن هناك تجارب صعبة مع آخرين قد غدروا بهم وتركوا عندهم ندمًا على ثقة أودعت فيهم ولم يراعوها وأمانة أوكلت إليهم ولم يحافظوا عليها، وعهد قطعوه على أنفسهم وتخلوا عنه لأنهم لم يتربوا على الالتزام ولا يعرفون قيمة إلا للأنانية ولا وجود للرادع النفسي أو الضمير الذي يراقب على سلوك الإنسان ويرده إلى محيط دائرة القيم كلما حاول الخروج عنها.

وفى الحالة الثانية، نجد الكثيرين الذين التزموا بالوعود والعهود أول مرة فقط حتى يثق الآخرون فيهم ثم يقومون بالغدر حين تتاح لهم الفرصة وهذا ما جعل الناس يظنون أن الثقة لم يعد لها وجود أصلا وإنما هي وَهْم يترتب عليه الندم والخسارة في النهاية.

لم تقتصر الأفعال على بعض المصريين، بعضهم البعض، وإنما على التعامل مع الأجانب أيضا؛ وهو ما يعطى شهادة الوفاة إلى الثقة فيما بيننا وفيما بين الآخرين وهو ما يترتب عليه السمعة غير الحميدة من جهة والتكاليف التي يدفعها الناس الملتزمون بوعودهم أصلا حتى يثبتوا أنهم يحترمون الثقة والكلمة والعهد.

إن المعاملات بين الناس لا تعتمد فقط على العقود الموثقة والتي تذيل بتوقيعات الشهود، وإنما أغلب المعاملات تعتمد على الكلمة التي يتوقع أن يلتزم بها الطرفان؛ ولهذا أوصى كل من سيعطى عهدًا أو وعدًا لأحد أن يلتزم به كما التزم به أهلنا من قبل حتى نعيد للكلمة فيما بيننا ولو سألنا كبار السن ممن كانوا يلتزمون بالكلمة لقالوا إن كان بينهم التزام بالكلمة ولو على رقابهم دون شهود أو رقابة إلا رقابة الضمير.
أتمنى أن تعود الثقة بين الناس مرة أخرى.
الجريدة الرسمية