رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

تاريخ الحركات الإسلامية في العالم

ضياء رشوان نقيب الصحفيين
ضياء رشوان نقيب الصحفيين

«الحركات الإسلامية».. مصطلح تحول إلى كلمة شائعة كلٌ يفسرها وفق نظريته الخاصة، سواء في العالم العربي الإسلامي أو حتى العالم الغربي، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر، حتى ألصق البعض مصطلح «الحركات الإرهابية» كمرادف للحركات الإسلامية، وهو إلصاق يعكس تعميما وانحيازات سياسية أكثر من الحقائق، تعتمد عليه الدول الأجنبية، أما لدينا في العالم العربي فهناك دمج مبني على عدم المعرفة بين الحركات التي تتبنى منهجا تكفيريا أو التي ترفع السلاح أو التي تكفر الجميع، أو الحركات التي تسعى للسلطة.


و«الحركات الإسلامية» هي تلك الجماعات التي تشترك معًا في اعتبار أحد جوانب الإسلام وتفسيراته الإطار المرجعي لها، سواء فيما يخص وجودها أو أهدافها، والتي تنشط بطرق مختلفة من أجل تطبيق الصورة التي تراها للإسلام في المجتمعات والدول والمجالات التي توجد بها، هذا التعريف وضعه مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في دراسة بعنوان «تاريخ الحركات الإسلامية في العالم»، تحت رئاسة تحرير ضياء رشوان.

وأكدت الدراسة على أن تلك الجماعات قد تختلف في فهمها لتفاصيل علاقة مشروعها الفكري والسياسي والاجتماعي بقواعد الإسلام وأصوله، كما قد تختلف في تفسيرها لبعض تلك القواعد والأصول، إلا أنها تعتقد جميعا في صحة انتساب مشروعها للإسلام وتطلق عليه صفة "إسلامي"

خريطة الحركات الإسلامية

ركزت الدراسة على الحركات الإسلامية، التي ترتبط بعلاقة مع السياسة وفي مركزها السلطة والدولة أكثر من ارتباطها بالمجتمع والممارسات الاجتماعية والطقوس الدينية. وأشارت إلى أن هذه الحركات ظهر لها مظاهر في القرون الخمسة عشر للتاريخ الإسلامي حتى أن بعضها هو إعادة إنتاج لتلك الحركات القديمة.
وتنقسم تلك الخريطة لنوعين رئيسيين من الحركات وهما «الحركات الإسلامية الدينية والحركات السياسية- الاجتماعية ذات البرنامج الإسلامي».

أولًا الحركات الإسلامية الدينية
وهي التي تقوم على قراءة معينة للإسلام والنصوص القرآنية الكريمة تنظر من خلالها للأفراد والمجتمعات والدول من منظور صحة العقيدة فقط، في حين لا تلقى اهتماما يذكر إلى ما هو دون ذلك من مستويات ومصادر فقهية وشرعية.
والقضية الرئيسية والوحيدة لتلك الحركات هي إقامة التوحيد والعبودية الحق لله كما تراهما، وهدفها هو إعادة أسلمة المجتمعات والدول والأفراد لأنهم جميعا حسب رؤيتها خارجون عن الإسلام بصورة مختلفة.
ومنهجية تلك الحركات هو تفسير النصوص القرآنية والنبوية بطريقة حرفية ظاهرية تستند على قاعدة "عموم اللفظ"، وليس "خصوص النسب" الذي انزلت من أجله أو ذكرت في سياقه الآيات، ولذلك فهي تتورط في أحكام متسرعة بكفر الدول وجاهلية المجتمعات والأفراد.
وهذه الحركات بعضها يرى أننا نعيش في مرحلة أقرب لمرحلة الدعوة في مكة قبل الهجرة، والبعض الآخر يرى أن ما أحاط بالإسلام في المدينة وما تلاها هو الأقرب للعصر الذي نعيش فيه الآن. وهذا الاختلاف قسم هذه الحركات إلى حركات متطرفة سلمية وحركات جهادية عنيفة.

«الحركات المتطرفة السلمية»
تتفق تلك الحركات على أن المجتمعات المعاصرة أقرب لحالة المجتمع الجاهلي والكافر في مكة بعد البعثة النبوية وقبل الهجرة منها إلى المدينة، وبالنسبة لهم المجتمعات والدول والأفراد المعاصرين في مختلف بلدان العالم الإسلامي إنما هم إما كفار أو يعيشون في جاهلة تامة تشبه التي كانت تخيم على مكة والجزيرة العربية قبل الهجرة.
وترى تلك الحركات أن الوقت لم يحن بعد للعمل السياسي أو الجهاد لأن المسلمين لم يؤمروا بذلك في مكة، ولذلك تذهب إلى عدم ممارسة أي أفعال عنيفة أو قتالية ضد المجتمعات والدول والأفراد الكافرين حسب رؤيتهم، وينقسمون في رؤية تعاملهم مع هؤلاء المجتمعات الكافرة، إلى قسمين الأول حركات التكفير والهجرة، والثاني حركات إعادة الدعوة.

«حركات التكفير والهجرة»
والمجتمعات المعاصرة من وجهة نظرهم تشبه مجتمع مكة قبل الهجرة مباشرة، ولم يعد فيها من أمل أن تهدى للإسلام ولم تعد تضم سوى الكافرين فقط، وبالتالي لا بد من هجرة بصورة أو بأخرى، لانهم يمثلون المسلمين الوحيدين على وجه الأرض، ومن سواهم كافر، والهجرة بالنسبة لهم سواء بداخل المجتمع باعتزاله تماما والانفصال عنه كلية بالخروج منه إلى الصحارى والمناطق البعيدة.

«حركات إعادة الدعوة»
منهجهًا يقوم على إعادة دعوة الناس الموجودين والذين يجهلون الإسلام كما الكفار في مكة بعد البعثة النبوية، والمهمة الوحيدة التي يجب أن يقوموا بها هي "التبليغ والدعوة".

وهذه الحركات السلمية المتطرفة على الرغم من مبالغتها في تطرفها الشديد في الحكم على المجتمعات والدول والأفراد المعاصرين بالكفر والجاهلية، أقرب إلى السلوك السلمي غير العنيف.

«الحركات الجهادية العنيفة»

المجتمعات والدول الحالية بالنسبة لتلك الحركات قد عادت إلى حالة الجاهلية التي سبقت ظهور الإسلام، والأفراد بالنسبة لها ليست كافرة أو مرتدة إلا إذا صرحوا بذلك أو سلكوا ما يؤكده، ولا يجوز وفقًا لتلك الحركات إعادة دعوتها إلى أساسيات الإسلام بعد أن وصل إليها البلاغ واكتملت الرسالة، والجهاد هو الوسيلة الوحيدة تقريبًا لديها من أجل تحقيق الأهداف.
ووظيفة تلك الحركات كما أوضح الأب الحقيقي لهم سيد قطب هي "إقصاء الجاهلية من قيادة البشرية وتولي هذه القيادة على منهجه الخاص" وهو ما يدفع إلى "إزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر وعبودية الإنسان للإنسان".
وتتعامل تلك المجموعة باعتبارها "العصبة المؤمنة" التي ستعيد الإسلام إلى بلاده وتدفع عنها عدوان أعدائه الخارجيين. وتنقسم تلك الحركات لثلاثة أٌقسام.

«محلية الطبع»
"العدو القريب أولى بالقتال من العدو البعيد"..هذا شعار ترفعه هذه الحركات التي لا توجد إلا في العالم الإسلامي، وهو بالنسبة لها حكومات الدول التي تنتمي إليها ويعد إسقاطها عبر قتالها المهمة الأولى التي يجب عليها البدء بها، وقد جعلت تلك الحركات الجهاد موجها لحكومات البلدان التي تنتمي إليها والتي تسعى إلى اقتلاعها وتأسيس دول إسلامية بدلا منها.
ومن أمثلة تلك الفئة من الحركات، "الجماعة الإسلامية" و"جماعة الجهاد" في مصر، و"الجماعة الإسلامية المسلحة " في الجزائر، و"الجماعة الإسلامية المقاتلة" في ليبيا.

«الاستقلالية- الانفصالية»
توجد في مناطق الأقليات المسلمة بداخل الدول غير الإسلامية، وتتداخل لدى تلك الحركات مفاهيم الجهاد ضد العدو الخارجي غير المسلم الذي يسيطر على الأقاليم التي تسكنها الأقليات الدينية والعرقية، مع مفاهيم التحرر الوطني وتقرير المصير التي تنتشر في تلك الأقاليم التي تسكنها الأقليات الدينية والعرقية.
وأبرز أمثلتها توجد الآن في كشمير بالهند والشيشان بروسيا الاتحادية وفي أفغانستان أثناء الغزو السوفيتيي لها.

«الحركات دولية المجال»
تتبنى مفهموم الجهاد الخارجي ضد من ترى أنهم أعداء الإسلام الخارجيين، وبشكل خاص الجهاد الدفاعي الذي يرمي إلى الدفاع عن "دار الإسلام" من أي هجوم عليها من عدو خارجي غير مسلم، وأولويت تلك الحركات "العدو البعيد" وإن كانت ترى أيضا أن "العدو القريب"- الحكومات- كافرة.
نشأت تلك الحركات في أفغانستان التي كانت المهد لتلك الحركات في مقاومة الغزو السوفييتي لها من عام 1979 حتى 1989، وانطقلت للعديد من مناطق العالم مثل البوسنة والشيشان.

الحركات السياسية الاجتماعية
هدفها هو إعادة تنظيم تلك المجتمعات على أسس إسلامية، لا توجد حسب رؤيتها سوى في الشريعة الإسلامية، وهي تنظر لكل الأفراد والمجتمعات والدول الإسلامية على حقيقتهم كمسلمين غير ناقصي العقيدة، والتساؤل حول صحة عقيدتهم أو إسلامهم غير وارد.
والإسلام بالنسبة لتلك الحركات بمثابة وعاء حضاري-دينى- تاريخي تستمد منه رؤاها لتنظيم المجتمعات والدول الإسلامية التي توجد فيها والتي تتخذ شكل البرنامج الذي لا يختلف سوى في المضمون عن برامج الجماعات السياسية الاجتماعية غير الإسلامية.
وتنقسم إلى نوعين حركات سلمية ساعية للحكم وحركات التحرر الوطني المسلحة.

الحركات السلمية الساعية للحكم
تسعى تلك الحركات بصورة مباشرة إلى السلطة من أجل تطبيق برنامجها السياسي والاجتماعي ذي الطابع الإسلامي الذي تعتقد أن غايته هو تحقيق التقدم والنمو لبلدانها ومجتماعتها. ومن أجل الوصول لهذا الهدف تسلك كافة السبل والوسائل السياسية السلمية المباشرة وغير المباشرة المتاحة أمامها، وتقوم بتغيير وتنويع مواقفها وتحالفاتها وصراعاتها مع الدولة أو القوى السياسية والاجتماعية الأخرى بحسب ما تقتضيه المصلحة وتحقيق ذلك الهدف.


وأبرز الأمثلة على تلك الحركات جماعة الإخوان المسلمين في مصر والبلدان الأخرى التي توجد بها وجماعة النهضة في تونس والجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر.

حركات التحرر الوطني المسلحة
هي في الأصل جزء من الحركات السياسية – الاجتماعية ذات البرنامج السياسي، دفعت بها الظروف المحيطة بها في مجتمعاتها التي تخضع لاحتلال أجنبي إلى تبني برنامج للتحرر الوطني يقع الكفاح المسلح في القلب منه.
وقد بدأ ظهور تلك الحركات في صفوف جماعة الإخوان المسلمين وقت حرب فلسطين 1948، والمقاومة الوطنية المصرية ضد الاحتلال البريطاني في مدن قناة السويس.


أما في الوقت الحالي فإن كلا من المقاومة الإسلامية حماس، حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، وحزب الله اللبناني تعد الأكثر بروزا وتمثيلا لتلك الحركات.
وتلك الحركات المسلحة لا تشتبك في أي صراعات داخلية مسلحة مع خصومها السياسيين والفكريين في مجتمعاتها على الرغم من اختلافهم معهم في كثير من القضايا، وتقصر استخدام العنف المسلح ضد القوى الأجنبية التي تحتل بلادها.

«بن لادن »
خصصت الدراسة أحد فصولها للحديث عن أفكار ورؤى أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة السابق، ورصدت فيه كيف تغير خطابه قبل وبعد أحداث 11 سبتمبر، والذي قسم العالم بعد تفجيرات 11 سبتمر في خطاباته التي وجهها عبر قناة الجزيرة إلى معسكر كفر ومعسكر إيمان لا نفاق فيه والمعركة أصبحت واضحة بين "الإيمان والكفر"، وبرر "بن لادن" ونائبه المصري أيمن الظواهري، والمتحدث الإعلامي باسم تنظيمه الكويتي سليمان أبو غيث تفجيرات واشنطن ونيويورك إلى السياسات الأمريكية العدوانية ليس فقط تجاه الشعوب العربية والإسلامية ولكن تجاه شعوب وبلدان أخرى غيرها مثل شعب اليابان الذي "قتل منه مئات الألوف كبارا وصغارا" كما قال "بن لادن".
وبذلك تكون المعركة التي يخوضها هؤلاء الإسلاميون ضد الولايات المتحدة الأمريكية كما يطرحون في كلماتهم ليست بسبب ديانة شعبها المسيحية بل بسبب السياسات التي تقوم بها حكوماتها المتعاقبة تجاه مختلف الشعوب والبلدان سواء العربية والإسلامية أو البوذية والكونفوشوسية والشنتوية.
و"العدو" كما يتصوره الثلاثة كما واضح مسمى ومضمونا هو الولايات المتحدة الأمريكية التي لم يرد اسم أي دولة أخرى كعدو غيرها، ومع ذلك اتسع تعريفهم ليشمل "أمريكا ومن يحالفها"، والعالم بأسره من وجهه نظر "بن لادن" منافق ووقف "خلف رأس الكفر العالمي بما في ذلك الدول التي تنتسب إلى الإسلام ".
وأرجعت الدراسة عنف زعيم القاعدة إلى خبرته الطويلة والوحيدة منذ بداية نشاطه الإسلامي في أفغانستان عام 1979 كمجاهد إسلامي دولي يرى أن دوره الوحيد هو قتال أعداء الإسلام الخارجيين والذين أضحوا وفقا لتجربته الخاصة يشمل العالم كله تقريبا.
وبالرغم من اهتمام "بن لادن" بالقضية الفلسطينية والتي سردتها الدراسة في كل خطاباته والتي أولاها اهتماما خاصا، إلا أن سؤال لماذا لا تضرب القاعدة أهدافا إسرائيلية ظل يلاحق "بن لادن" منذ ظهوره حتى إعلان وفاته، وهو ما أجابت عنه الدراسة مرجعة ذلك لعدة أسباب منها القدرات الأمنية العالية لأجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية والتي مكنتها حتى اليوم من حماية تلك المصالح الإسرائيلية خاصة في ظل تعاونها مع الأجهزة المماثلة لها في الولايات المتحدة وكل الدول المتعاونة معها، هذا إلى جانب عدم قدرة نموذج القاعدة من اختراق الشعب الفلسطيني سواء في الأراضي المحتلة بعد 1967 أو بداخل الخط الأخضر وهو الأمر الذي ألغى أي قدرة لها على القيام بأي عمليات ضد أي أهداف إسرائيلية في الداخل، وهذا الفشل في الاختراق قد يكون بسبب وجود المقاومة الفلسطينية التي نجحت إلى جانب المقاومة في الانخراط في العمل السياسي والاجتماعي النشط. وربما يكون الفشل في الاختراق لمعرفة القاعدة مدى الضرر الذي قد يعود على الشعب الفلسطيني من القيام بعمليات داخل إسرائيل، التي ستلفت نظر العالم عن جرائمها ضد الشعب الفلسطيني وتظهر بأنها جزء من ضحايا الإرهاب الذي تمارسه القاعده في العالم.
Advertisements
الجريدة الرسمية