رئيس التحرير
عصام كامل

العرابي لـ"فيتو": لا حدود جغرافية لأمن مصر القومي

فيتو

  • هناك ظواهر جديدة طرأت على الأمن القومي العربي
  • يمكن لمصر التدخل عسكريا في إحدى الدول تحقيقًا لأمنها القومي
  • علاقتنا بسوريا لم يطرأ عليها جديد منذ ثلاث سنوات
  • الأمن القومي يتطلب إجراءات حادة لأنه لا يقبل التهاون
  • علاقتنا بالعراق تتحسن بعد تولي رئيس وزراء جديد
  • التدخل عسكريا لتأمين دول الخليج جزء من الإستراتيجية المصرية
  • خيوط الأمن القومي تمسكها «المخابرات العامة والخارجية والدفاع والرئاسة»
أكد السفير محمد العرابي وزير الخارجية المصري الأسبق أن لمصر الحق في التدخل «عسكريا» في أي دولة لها تأثير على الأمن القومي للوطن، مشددًا على أهمية رصد كل ما يجري بالدول المرتبطة بأمننا القومي ورصد أي جماعات بهذه الدول ومعرفة مصادر تمويلها وتوجهاتها السياسية.

«العرابي» أشار إلى أن 4 جهات لها الكلمة العليا في كل ما يرتبط بالأمن القومي المصري، هي وزارتا «الدفاع» و«الخارجية» والمخابرات العامة ومؤسسة الرئاسة، وخصوصًا الأخيرة، غير أنه رأى وجود بعض الوزارات تلعب دورًا مهما في الاتجاه نفسه كوزارتي «الري» و«الكهرباء».
«الأمن القومي لمصر لا يرتبط بحدود معينة، وما يحدث بمنطقة الشام ومنابع النيل قضيتان تمسان أمننا مباشرة»، بحسب وزير الخارجية الأسبق، معترفًا بأن «الخارجية» قد تتأخر أحيانًا في التجاوب مع بعض الأزمات، التي يتعرض لها المصريون في الخارج؛ لأن «هناك ظروفا تخرج عن إرادتها في بعض الأوقات».

وبلهجة حاسمة تمسك «العرابي» بأن أي تهديد لاستقرار دول الخليج العربي بهدف زعزعة استقرارها أو التفكير في التدخل في شئونها الخارجية أمر ترفضه مصر، ويقود القاهرة إلى تدخل سياسي قد يمتد لتدخل عسكري في مرحلة من المراحل.
مزيد من القضايا تحدث عنها السفير محمد العرابي وزير الخارجية المصري الأسبق «53 عامًا» في حوار أجرته «فيتو» معه:


• في البداية.. ما مفهوم الأمن القومي من جانب الخارجية المصرية؟

العلاقات الخارجية تُسخر لحماية الأمن القومي للدولة، بمعنى أن الدولة تستغل علاقتها في الخارج من أجل تأمين البلاد في مختلف المجالات، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو حتى ثقافية، وهو ما ينحصر فيه وظيفة الأمن القومي تبعًا للسياسات الخارجية لأي دولة.

• إذا كيف يمكن استثمار العلاقات الخارجية المصرية لتأمين أمننا القومي مما يحدث بسوريا وليبيا وغيرهما؟

في مثل الأوضاع الليبية والسورية الدولة المصرية مطالبة برصد كل ما يجري في هذه الدول، لأنه يؤثر تأثيرًا مباشرًا على أمن مصر، ولا بد أيضًا من معرفة تحركات وتكوين الجماعات المتقاتلة هناك ومن يمولها ومن يقف ورائها سياسيًا، وكل ذلك يعطي للدولة قدر من الأمان في التعامل مع هذه الدول وفي تحركاتها أو للتنبؤ بها.

• هل يمكن لمصر التدخل عسكريا في إحدى الدول تحقيقًا لأمنها القومي؟

بالطبع نعم.. الأمن القومي يتطلب في بعض الأحيان إجراءات تتسم بالحدة لأنه شيء لا يقبل أي تنازل أو تهاون، وهذا الأمر يجعل كل الإجراءات مفتوحة وكل الخيارات مطروحة وقابلة للتنفيذ من أجل حماية أمن البلاد القومي.

• وما تقييمك لأجهزة الدولة المختلفة في هذا الاتجاه؟

يوجد تكامل في الأداء بالنسبة لمختلف أجهزة الدولة لتحقيق الأمن القومي المصري، بما فيها وزارة الري والكهرباء حتى وإن لم يكن لها في الواقع صلة أساسية بالأمن القومي، ولكنها جميعًا معنية بأن تكون ضمن شبكة الأمان المحققة للأمن القومي للدولة.

• حدثنا عن طبيعة التنسيق بين «الخارجية» وأجهزة الدولة في هذا الصدد؟

يوجد تنسيق دائم بين وزارة الخارجية والمخابرات العامة ووزارة الدفاع ورئاسة الجمهورية في جميع الموضوعات المرتبطة بالأمن القومي المصري، وعلى رأسها أزمة سد النهضة الإثيوبي والأحداث في ليبيا وما تشهده سوريا كذلك.
الأمن القومي لا تنفرد به وزارة أو جهة واحدة، ولكن الدولة المصرية كلها معنية بالحفاظ عليه، وبالتالي فإن هذه الجهات الأربع هي بمثابة الأدوات الأساسية للحفاظ على الأمن القومي المصري.

• ولكن إلى أي موقع جغرافي يمتد الأمن القومي لمصر؟

الأمن القومي دائمًا ما يبدأ خارج الحدود ويصل إلى أبعدها لأنه غير مقيد بحدود، فمثلا قضية منابع النيل تعتبر أمنًا قوميًا مصريًا، كما أن ما يجري في الشام حاليًا يمس الأمن القومي المصري بشدة، بالإضافة لأمن الخليج الذي يعتبر جزءًا من أمننا القومي أيضًا وهو ما يعني أن الأمن القومي يبدأ دائمًا من خارج الحدود وليس خارجها.

• البعض يرى أن الخارجية تتأخر في التجاوب مع أزمات المصريين بالخارج «الأزمة الليبية كنموذج».. ما تعليقك؟

قد يكون ذلك صحيحًا، ولكن توجد ظروف تكون خارج إرادة الخارجية المصرية، مثل الوضع نفسه في الدولة التي نتعامل معها، مثلما حدث في ليبيا والذي أدى الوضع هناك إلى تعاون بين الخارجية وأجهزة الدولة كوزارة الطيران والمخابرات في ترحيل المصريين لمنطقة بعيدة نسبيًا عن حدودنا وهي تونس وهو ما تسبب في مواجهتها لمشقة كبيرة وبذل جهود أكبر ساهمت في النهاية في إنهاء الأزمة.

• وما تقييمك لدور الخارجية المصرية في التعامل مع ملفات تهريب الأسلحة عبر الحدود عن طريق السودان أو ليبيا؟

هذه الملفات تمس الأمن القومي المصري بالطبع، ولكن الخارجية ليس لها دور أصيل في التعامل معها وما عليها فقط هو توفير المعلومات للأجهزة الأخرى في هذه القضايا، ولكن بعد ذلك فإن هناك أجهزة أخرى هي المنوط بها التعامل مع هذه الأنواع من القضايا.

• هل يعني ذلك أنه لا يوجد دور للعلاقات الدبلوماسية مع حكومات هذه الدول لوقف تهريب السلاح أو السيطرة على الجماعات المسلحة؟

من الممكن بالطبع أن تقوم الخارجية بتولي مهمة عقد اتفاقيات بين حكومات الدول في إطار هذه القضايا، لكن في الوضع الحالي هناك بعض الأجهزة الأخرى هي الأكثر علاقة بهذه المشكلات، غير أن ذلك لا يعني عدم وجود إطار شامل أو إستراتيجية شاملة لمناهضة مثل هذه الأعمال تساهم الخارجية بها بالتعاون مع الدول الأخرى كالسودان أو ليبيا.

• دول الجوار المصري تشهد تغييرات جذرية.. هل أثر ذلك على مفهوم أمننا القومي؟

بالطبع حدثت أضافات.. فالأحداث الأخيرة وضعت محددات جديدة لمفهوم الأمن القومي بينها أن نوع التهديد الذي يتعرض له الأمن القومي تغير، فبعد أن كان معظمه من الحدود الشرقية أصبحت الآن يوجد جماعات تكفيرية جهادية لديها سلاح متقدم ويمكنها عبور الحدود بكل سهولة من دولة لدولة كعبورهم من سوريا للعراق أو من العراق لشمال لبنان وهكذا، فهو يعتبر إضافة تحتاج لاعتبارات جديدة للتعامل مع هذه الظاهرة، وكذلك على الحدود الغربية للبلاد.

• وما هذه الاعتبارات؟

لابد أن يكون هناك تنسيق بشكل أكبر مع هذه الدول، كما أنه لا غنى عن وضع تصور مشترك بين مصر والدول العربية لوقف مد هذه الجماعات وتحتاج الأمور تحركات سياسية تختلف عن الفترة الماضية، لأن ما يحدث الآن هو ظاهرة جديدة طرأت على الأمن القومي العربي بأكمله.

• البعض يتحدث عن تأثر علاقة مصر ببعض دول المنطقة بسبب رغبتها في الحفاظ على أمنها القومي؟

غير صحيح.. علاقة مصر بأي من دول الصراع الموجودة بالمنطقة لم تتأثر، فعلى سبيل المثال علاقتنا بسوريا منذ ثلاثة سنوات في نفس الوضع لم يطرأ عليها جديد، علاقتنا بالعراق من المتوقع أن تتحسن في الفترة القادمة بعد تولي رئيس وزراء جديد، لكن الأمور غير ثابتة ولا يمكن وضع مقياس ثابت لشكل العلاقة بين مصر وهذه الدول في المرحلة الحالية.

• نسمع كثيرًا عن أن «أمن الخليج خط أحمر».. و«أمن الخليج جزء من الأمن القومي المصري».. ماذا يعني ذلك؟

أي شيء يهدد استقرار دول الخليج أو يعرضها لخطر خارجي بهدف زعزعة استقرارها أو التفكير في التدخل في شئونها الخارجية لن تقبله مصر على الإطلاق وقد يقودها إلى تدخلات سياسية كما قد يصل الأمر إلى تدخل عسكري في مرحلة من المراحل.

• وما أقصى إجراء دبلوماسي يمكن أن تتخذه مصر في سبيل الحفاظ على أمنها القومي؟

كما سبق وذكرت فإن إجراء قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة المرتبطة بإيذاء أمن مصر القومي هو أقصى إجراء دبلوماسي يمكن اتخاذه يليه الإجراءات العسكرية بشكل أساسي.

• وهل سبق واضطرت مصر مؤخرًا لاتخاذ أحد الإجراءين تجاه دولة بعينها؟

لا.. لم تستدعِ الأمور في الفترة الأخيرة قطع العلاقات الدبلوماسية بشكل نهائي مع أي دولة من الدول، ولم تصل الإجراءات كذلك إلى درجة التصعيد العسكري، ولكن كما ذكرت من قبل توجد ظواهر جديدة تحكم المنطقة حاليا وهو ما سيتضح في المرحلة القادمة إلى أي مدى ستصل.
الجريدة الرسمية