رئيس التحرير
عصام كامل

لكن ظرفاء!


في كثير من برامج "التوك شو"، ترد على ألسنة بعض الضيوف عبارة "إن الشعب المصرى لا يستطيع أحد أن يضحك عليه"(!).. والحقيقة أن العبارة تنقصها إضافة مهمة، وهى "لفترات طويلة" كى تجعلها أقرب إلى الواقع..

فالشعب - أي شعب - يمكن الضحك عليه ليوم أو لأسابيع، وربما لأشهر.. لكن من الصعب أن يتم ذلك لسنة مثلا، وهكذا..
من ناحية أخرى، يحتاج الأمر إلى تفصيل.. فلا أدرى عن أي شعب يتحدث هؤلاء؟ عن الشعب في القاهرة، أم في محافظات بحرى، أم في الصعيد؟ وإذا كان الحديث عن القاهرة، فأى حى يقصدون؛ مصر الجديدة، أم باب الشعرية، أم الدرب الأحمر، أم جاردن سيتى؟ وإذا كانوا يتحدثون عن الصعيد، فهل يقصدون عواصم محافظاته، أم القرى والكفور والنجوع، مع احترامنا وتقديرنا للجميع، فكلهم أهلنا وناسنا؟

إن هناك واقعا لابد من أخذه في الاعتبار.. فهل زار هؤلاء قرى مصر ورأوا كيف يعيش الناس، وكيف يفكرون، وما هي المشكلات التي تستأثر باهتمامهم؟! وإذا كان هناك من لا يستطيع الضحك على هؤلاء أو أولئك، ففى أي قضية وأى موضوع؟ أم هو كلام والسلام؟ الشعب المصرى ليس بدعا، لكنه شأن أي شعب آخر، فيه المثقف وغير المثقف، المسيس وغير المسيس...إلخ. يجب أن نعترف أن نسبة الأمية العادية عندنا مرتفعة، وأننا نعانى من مشكلات كثيرة، يأتى على رأسها التخلف العلمى والتقنى والحضارى..

والحقيقة أننا كمصريين ظرفاء.. ظرفاء في إطلاق أحكام عامة على أمور هي بطبيعتها تتضمن اختلافا وتنوعا كبيرا، ربما من النقيض إلى النقيض.. فالبعض منا ينظر إلى الشعب المصرى على أنه "قماشة" واحدة.. ليس هذا فقط، لكن تبلغ الطرافة ببعضنا مداها عندما نتكلم في كل شيء، دون استثناء.. حاول مثلا أن تطرح مسألة أو مشكلة - ولتكن طبية - على مجموعة من أصدقائك، وفيهم أطباء.. سوف تجد الكل - بمن فيهم المهندس والعلمى والزراعى - يسارعون بالفتوى، بينما يصمت أهل الاختصاص.. هذه هي عادتنا نحن المصريين.. نسارع بالتصدي بالرأي في أي مشكلة، من منطلق أنه من العيب للغاية، أن نتهم بعدم المعرفة.. مع أن من "قال لا أعلم فقد أفتى"..هل من الممكن أن يأتى يوم نحترم فيه عقولنا وذواتنا، بحيث لا نتكلم في شيء إلا إذا كان لدينا ما نقوله عن علم، وأن نتوقف عن الإفتاء في أي مسألة تعرض لنا؟.. الله تعالى يقول: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"..أي أهل العلم..أو الاختصاص.

نحن إذن أمام حالة انفلات، ليس انفلاتا أخلاقيا فحسب، ولكن انفلات في كل شيء..هل نحن شعب لا يثق في نفسه أو في قدراته؟.. هل نحن في حاجة لأن نثبت لأنفسنا ولغيرنا أننا لسنا جهلة، وأننا نعرف الكثير مما لا يعرفه الغير؟ من المؤكد أننا أو بعضنا نعرف شيئا، لكننا لا نعرف كل شيء.. وأنه لا يضيرنا ولا يقلل من قيمتنا ذلك، بل يجعل الآخرين أكثر احتراما وتقديرا لنا..عندما تنضم الخبرات والتجارب إلى بعضها، وعندما تتضافر التخصصات، كل في مجاله وميدانه، يبدأ النهوض والتقدم.
الجريدة الرسمية