رئيس التحرير
عصام كامل

عذاب القبر.. وقبور العذاب !!


إنها الذات العربية الصارمة والمتقوقعة على نفسها، والتي أبت أن تغير من مفاهيم عروبيتها التاريخية وحميتها القبلية أمام نور الإسلام وإنسانيته الجامعة، ففى الماضى البعيد رأيناها تحتوى هذا الدين فتعرِّبه ليكون أمويًا قرشيًا، وفى حاضرنا القريب تشددت فيه وجمدته ليكون وهابيًا نجديًا، لقد نحلت فقهًا بديلًا عن هَدْىِ القرآن في مناخ عربى عنصرى على يد الفقهاء العروبيين التابعين ليرضى ميولها وأهواءها وطباعها العربية الغليظة التي أبت أن يغيرها الإسلام ويهذبها.


فابتدعت فقه الاتباع الذي يوافق مفاهيم النظام القبلى الأبوى الذي أسس لكل البلايا والمحن والمصائب التي أصابت المسلمين بعد ذلك، واجتهدت في نفى عالمية الرسالة وشموليتها، فعتمت على قِيَمِ الإسلام الإنسانية العليا، وأورثت لنا الدين سيفًا ونطعًا وإكراهًا وبغيًا ودمارًا وإفسادًا في الأرض كما نرى ونسمع ونعاين سفك الدماء باسم الإسلام.

ولكى يضمن المنتفعون ولاء التابعين لهم تمسكوا بقضايا هامشية تنتمى إلى مفاهيم غيبية تشغل الناس وتُفَّزعهم، فليس غريبًا عليهم دفاعهم المستميت عن عذاب القبر ولدغات الثعبان الأقرع ضد من خالفهم، وكأن قضايا دنيانا قد حُسِمَتْ ولم يبق غير عذاب القبر حتى نختلف فيه، ويا ليتهم يفكرون في عذابات الناس في غزة وسوريا والعراق وإلى عذاب المحتاجين والفقراء والمهمشين قبل التفكير في عذاب القبر، ليتهم يعملون لإنقاذ أهل غزة من قذائف القنابل والنيران الموجهة عليهم في حاضر الدنيا قبل أن يسعوا لاتقاء لدغات الثعابين في عالم الغيب.

وفى هذا المناخ الفاسد المعتم صدمتنى لافتة عجيبة كئيبة وُضِعَت في مدخل المقابر وأنا أشَّيع أمى الصابرة المحتسبة إلى مرقدها مكتوب عليها ( عذاب القبر حق ) ! وكأن لسان حالها يكمل ( وهذه قبور العذاب )! جعل الله من وضعها حقيقا بها وأهلا لفحواها، وأدخل أمى في رحمته التي وسعت كل شيء.. اللهم آمين!
الجريدة الرسمية