رئيس التحرير
عصام كامل

الله يجازى اللى كان السبب

فيتو

قرر الكاتب الصحفي الكبير ناصح السماوي أن يخاطب المسئولين في البلد عبر عاموده اليومي بإحدى الجرائد السيارة حاكيا لهم حكايتين من الواقع الملموس تتحدثان بكل صراحة عن موضوع الدعم ورفعه من عدمه، تاركا لحكمة هؤلاء المسئولين التي لا يرقى إليها الشك من وجهة نظره أن تتصرف كما يحلو لها بعد أن أنار لها الطريق المظلم عبر كلماته المضيئة، مشركا بالطبع قراءه الأفاضل، مضطرا، لأنه يعلم أن عيونهم ستطالع مقاله بالضرورة وتحصيل حاصل مع سادته من المسئولين المهمين الذين يكتب لهم في الحقيقة، ولكن لا مانع من مغازلة القارئ الذي لا حول له ولا قوة لأن جزءا محترما من راتبه الكبير يأتي من جيبه، شاء ذلك أم أباه، بدأ ناصح السماوي حكايته الأولى بقوله: أعرف البروفيسور قدري الذي يعمل في الجامعة الأمريكية بالقاهرة بعد أن عاش فترة طويلة في أمريكا، ثم عاد ليحيا ويعمل في بلده وهو يشعر منذ عاد بنوع من تأنيب الضمير ووجع القلب وتفر الدمعة دائما من عينه يا ولداه.. كلما ذهب ليملأ سيارته بالبنزين من أي محطة تصادفه!!! لماذا؟!.. لأنه يرى نفسه ميسورًا، فهو ليس فقيرًا، كما أنه ليس مليونيرًا أيضا، وإنما يستطيع بدخله المعقول من عمله أن يحصل على احتياجاته من السوق بأسعار تكلفتها الحقيقية، وهذا بالضبط سبب إحساسه بتأنيب ضمير عند كل مرة يكون عليه فيها أن يحصل على وقود لسيارته من محطات بنزين الحكومة! هو يرى -كما سمعت منه- أنه في إمكانه أن يشترى البنزين دون دعم، وأن سعر اللتر من بنزين 92 إذا كان قد أصبح 260 قرشًا، وإذا كانت تكلفته الحقيقية خمسة جنيهات، مثلًا، فإنه قادر على دفع الجنيهات الخمسة ثمنًا لكل لتر –منتهى الوطنية وإنكار الذات- وفى كل مرة يدفع 260 قرشًا يظل يشعر في داخله بأنه حصل على شىء ليس من حقه، ولذلك، فإنه يبحث عن وسيلة يرد بها الفارق بين السعرين للحكومة، فلا يجد، ويتمنى أن تعثر الحكومة على هذه الوسيلة وأن تخترعها اختراعًا، وأن تتيحها له ولغيره من أمثاله، لأنه ليس حالة فريدة قطعًا، وإنما لا بد أن إلى جانبه قادرين كثيرين يحصلون على دعم في البنزين وفى غيره، دون حاجة منهم إليه، هل رأيتم أيها السادة المسئولين كم أنتم ظالمون وقساة القلب على مثل تلك الفئة الوطنية الحقيقية وتقومون كل يوم عامدين متعمدين بطعنها في كبريائها الوطني ومستنزفين بلا رحمة أو شفقة ولائها القومي!!

هناك أيضا حكاية أخرى لموظف يعمل في المهندسين، ويسكن في قرية تابعة لشبين الكوم، وهو يقطع المسافة من بيته لعمله عبر ثلاث وسائل مواصلات: سيارة من قريته إلى شبين كانت بخمسين قرشًا أصبحت بجنيه كامل، وسيارة من شبين لشبرا كانت بجنيه ونصف، فأصبح يدفع فيها جنيهين ونصفًا، ثم مترو الأنفاق الذي لا تزال تذكرته كما هي، والمعنى أن الأسعار الأخيرة أضافت إلى هذا الموظف ثلاثة جنيهات يوميًا، في بند المواصلات وحده، بواقع 90 جنيهًا في الشهر، وقد كان يروى لى حكايته، وهو يئن من أعبائه الجديدة، لنجد أنفسنا في النهاية أمام أستاذ جامعى هناك، يحصل على دعم لا يستحقه، ويريد رده، لكنه لا يعرف كيف، ثم أمام موظف هنا، محروم من دعم يستحقه في مواصلاته ويريد الحصول عليه، لكنه لا يعرف أيضًا كيف! حكايتان من واقع مشاهد وملموس، يبدو مختلفًا عما نتكلم عنه بالليل والنهار، وإذا كان لهما من معنى، فهو أننا في حاجة إلى أن نفكر في الدعم، وفى سواه، بشكل مختلف، لأننا في حاجة إلى حلول مختلفة وفى حاجة إلى أن نعرف كحكومة أين بالضبط يجب أن ننفق، وأين بالضبط، كذلك، يجب أن نوفر فلوسنا لمن هو أولى بها!
وبعد أن قرأ السادة المسئولون مقال الكاتب الصحفي الكبير ناصح السماوي أصدر النائب العام أمرا بالحجز الفوري على جميع أموال البروفيسور قدري ناهب أموال الشعب والمستولي عليها بدون وجه حق مع حبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق ومراعاة التجديد والضغط عليه ليعترف على أمثاله من المنتفعين بأموال المصريين عدوانا وظلما، والحرص بعد ذلك على إحالته إلى محاكمة عاجلة مع المطالبة بتوقيع بأقصى العقوبة عليه، يحكى أن المحضر عندما كان يحجز على أموال البروفسيور قدري كان ينظر إليه شذرا وهو يطالعه من فوق لتحت مرددا جملة محمد سعد الشهيرة في فيلم بوحة: “آه يا محروس الضبع يا واكل قوت الغلابة”.
أما صديقنا الموظف بطل الحكاية الثانية فقد عزمته الحكومة على حسابه بمقهى شهير جدا في المهندسين مع أحد وزرائها الأفاضل على فنجاني قهوة ليفاجأ بورقة الحساب تأتيه بمبلغ مائتي جنيه دفعها صاغرا ورأسه يكاد ينفجر من الغيظ، عندها لاحظ أن وزير الحكومة يضحك له يملء فيه بينما يربت على كتفه بحنان قائلا: أظن يا عزيزي إنك شفت بنفسك أهوه.. إن الزيادة البسيطة اللي قررتها عليك الحكومة مش محصلة حتى ثمن فنجانين قهوة!!!
الجريدة الرسمية